وقوله: ﴿وَأَجْدَرُ﴾، أي: أحقُّ وأَوْلى، يقال: هو جديرٌ وأجدر وحقيق وأحقّ وقيمن وأَوْلى وخليق بكذا، كلُّه بمعنى واحد. قال الليث: "جَدَر يَجْدُر جَدارةً فهو جديرٌ، ويؤنَّث ويثنَّى ويُجمع قال الشاعر:
٢٥٣٥ - بِخَيْلٍ عليها جِنَّةٌ عَبْقَرِيَّةٌ * جديريون يوماً أن يَنَالوا وَيَسْتَعْلوا
وقد نبَّه الراغب على أصلِ اشتقاقِ هذه المادة وأنها من الجِدار أي الحائط، فقال: "والجديرُ: المنتهى لانتهاء الأمر إليه انتهاءَ الشيء إلى الجدار" والذي يظهر أن اشتقاقَه مِنَ الجَدْر وهو أصل الشجرة فكأنه ثابت كثبوت الجَدرْ في قولك "جدير بكذا".
قوله: ﴿أَلاَّ يَعْلَمُواْ﴾، أي: بأن لا يَعْلموا فحذف حرفَ الجر فجرى الخلافُ المشهور بين الخليل والكسائي مع سيبويه والفراء.
* ﴿ وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾
قوله تعالى: ﴿مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً﴾: "مَنْ" مبتدأ وهي: إمَّا موصولةٌ وإمَّا موصوفةٌ. ومَغْرَماً مفعول ثانٍ لأنَّ "اتخذ" هنا بمعنى صَيَّر. والمَغْرَمُ: الخُسْران، مشتق مِنَ الغَرام وهو الهلاك لأنه سيئةٌ، ومنه ﴿إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً﴾. وقيل: أصلُه الملازمةُ ومنه "الغَريمُ" للزومه مَنْ يطالبه.
قوله: ﴿وَيَتَرَبَّصُ﴾ عطفٌ على "يَتَّخِذ" فهو: إمَّا صلة وإمَّا صفة. والتربُّصُ: الانتظار. والدوائر: جمعُ دائرة، وهي ما يُحيط بالإِنسان مِنْ مصيبة ونكبة، تصوُّراً من الدائرة المحيطةِ بالشيء من غير انفلاتٍ منها. وأصلها داوِرَة لأنها مِنْ دار يدور، أي: أحاط. ومعنى "تربُّص الدوائر"، أي: انتظار المصائب قال:
٢٥٣٦ - تَرَبَّصْ بها رَيْبَ المَنون لعلها * تُطَلَّقُ يوماً أو يموتُ حليلُها
(٨/٨٩)
---


الصفحة التالية
Icon