قوله: ﴿عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السَّوْءِ﴾ هذه الجملةُ معترضة بين جمل هذه القصة وهي دعاءٌ على الأعراب المتقدمين، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو هنا "السُّوء" وكذا الثانية في الفتح بالضم، والباقون بالفتح. وأما الأولى في الفتح وهي "ظنَّ السَّوْ" فاتفق على فتحها السبعة. فأما المفتوح، فقيل: هو مصدر. قال الفراء: "يقال: سُؤْتُه سُوْءاً ومَساءةً وسَوائِية ومَسَائِية، وبالضم الاسم" قال أبو البقاء: "وهو الضَّرر وهو مصدر في الحقيقة". قلت: يعني أنه في الأصل كالمفتوح في أنه مصدرٌ ثم أُطْلِق على كل ضررٍ وشرٍّ. وقال مكي: "مَنْ فتح السينَ فمعناه الفساد والرداءة، ومَنْ ضمَّها فمعناه الهزيمةُ والبلاءُ والضرر". وظاهر هذا أنهما اسمان لِما ذكر، ويحتمل أن يكونا في الأصل مصدراً ثم أُطْلِقا على ما ذكر. وقال غيرُه: الضموم: العذاب والضرر، والمفتوح: الذم، ألا ترى أنه أْجُمع على فتح ﴿ظَنَّ السَّوْءِ﴾ وقوله: ﴿مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ﴾ ولا يليق ذِكْرُ العذاب بهذين الموضعين.
وقال الزمخشري فأحسن: "المضموم: العذاب، والمفتوحُ ذمٌّ لدائرة، كقولك: "رجلُ سَوْ" في نقيض "رجل عدل"، لأنَّ مَنْ دارَتْ عليه يَذُمُّها" يعني أنها من باب إضافة الموصووف إلى صفته فوُصِفَتْ في الأصل بالمصدر مبالغةً، ثم أُضِيْفَتْ لصفتِها كقولِه تعالى: ﴿مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ﴾. قال الشيخ: "وقد حُكي بالضم" وأنشد:
٢٥٣٧ - وكنت كذئبِ السُّوء لمَّا رأى دماً * بصاحبه يوماً أحال على الدَّم
وفي الدائرة مذهبان أظهرهُما: أنها صفةٌ على فاعِلة كقائمة. وقال الفارسي: "إنها يجوز أن تكون مصدراً كالعافية".
وقوله: ﴿بِكُمُ الدَّوَائِرَ﴾ فيه وجهان، أظهرهُما: أن الباء متعلقة بالفعلِ قبلها. والثاني: أنها حالٌ من "الدوائر" قاله أبو البقاء. وليس بظاهرٍ، وعلى هذا فيتعلَّقُ / بمحذوف على ما تقرر غير مرة.
(٨/٩٠)
---