وقوله: ﴿فِيا آيَاتِنَا﴾ متعلقٌ بـ"مَكْر" جعل الآيات مَحَلاًّ للمكر والمبالغة، ويَضْعف أن يكون الجارُّ صفةً لـ"مكر". وقوله: "مكراً" نصبٌ على التمييز. لصَحَّ أن يُقال: "سَرُع مَكْرُه" وأيضاً فإنَّ شرطَ جوازِ الخفضِ صِدْقُ التمييز على موصوفِ أفعل التفضيل نحو: "زيدٌ أحسنُ فقيه". و "أَسْرَعُ" مأخوذٌ مِنْ سَرُع ثلاثياً، حكاه الفارسي. وقيل: بل مِنْ أسرع، وفي بناء أفعل وفعلي التعجب مِنْ أفعل ثلاثةُ مذاهب: الجوازُ مطلقاً، المنعُ مطلقاً، التفضيلُ: بين أن تكونَ الهمزةُ للتعدية فيمتنعَ، أو لا فيجوزَ، وتحريرُها في كتب النحاة. وقال بعضُهم: "أَسْرع هنما ليست للتفضيل" وهذا ليس بشيءٍ إذ السياق يردُّه. وجعله ابن عطية: - أعني كونَ أسرع للتفضيل - نظيرَ قوله: "لهي أسودُ مِنَ القار". قال الشيخ: "وأما تنظيره "أسود من القار" بـ"أسرع" ففاسد / لأن "أسود" ليس فعلُه على وزِن أَفْعَل، وإنما هو على وزن فَعِل نحن: سَوِدَ فهو أسود، ولم يمتنع التعجب ولا بناء أفعل التفضيل عند البصريين مِنْ سَوِدَ وحَمِرَ وأِدِمَ إلا لكونه لوناً. وقد أجاز ذلك بعض الكوفيين في الألوان مطلقاً، وبعضهم في السوادن والبياض فقط"، قلت: تنظيره به ليس بفاسد، لأنَّ مرادَه بناءُ أفعل مما زاد على ثلاثة أحرف وإن لم يكن على وزن أَفْعَل، وسَوِد وإن كان على ثلاثةٍ لكنه في معنى الزائد على ثلاثة، إذ هو في معنى أسود، وحَمِرَ في معنى أحمر، نصَّ على ذلك النحويون، وجعلوه هو العلةَ المانعةَ من التعجب في الألوان.
وقرأ الحسنُ وقتادة ومجاهد والأعرج ونافعٌ في روايةٍ: "يَمْكرون" بياء الغيبة جَرْياً على ما سَبَق. والباقون بالخطابِ مبالغةً في الإِعلام بمكرهم والتفاتاً لقوله: "قل الله"، إذ التقديرُ: قل لهم، فناسَبَ الخطابَ. وفي قوله: "إنْ رسلَنا" التفاتٌ أيضاً، إذ لو جَرَى على قوله: "قل الله"، لقيل: إنَّ رسله.
(٨/١٤٤)
---