* ﴿ هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَآءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوااْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَاذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾
قوله تعالى: ﴿يُسَيِّرُكُمْ﴾: قراءةُ ابنِ عامر مِن النَّشْر ضد الطيّ، والمعنى: يُفَرِّقكم ويَبُثُّكم. وقرأ الحسن: "يُنْشِركم" مِنْ أَنْشَر، أي: أَحْيا وهي قراءةُ ابنِ مسعود أيضاً. وقرأ بعض الشاميين "يُنْشِركم" مِنْ أَنْشَر، أي: للتكثير مِن النَّشْر الذي هو مطاوع الانتشار. وقرأ الباقون "يُسَيِّركم" من التَّسْيير، والتضعيفُ فيه للتعديةِ تقول: سار الرجل وسَيَّرْتُه أنا. وقال الفارسي: "هو تضعيفُ مبالغةٍ لا تضعيفُ تعديةٍ، لأنَّ العربَ تقول: "سِرْتُ الرجلَ وسيَّرته"، ومنه قول الهذلي:
٢٥٧٥ - فلا تجزعَنْ مِنْ سُنَّةٍ أنت سِرْتها * فأولُ راضٍ سنةٍ مَنْ يَسِيْرُها
وهذا الذي قاله أبو علي غير ظاهر؛ لأن الأكثر في لسان العرب أنَّ "سار" قاصرٌ، فَجَعْلُ المضعفِ مأخوذاً من الكثير أَوْلَى. وقال ابنُ عطية: "وعلى هذا البيتِ اعتراضٌ حتى لا يكونَ شاهداً في هذا، وهو أن يكون الضميرُ كالظرفُ، كما تقول: "سِرْتُ الطريق". قال الشيخ: "وأمَّا جَعْلُ ابن عطية الضميرَ كالظرفِ كما تقول: "سِرْتَ الطريقَ" فهذا لا يجوزُ عند الجمهور، لأنَّ "الطريقَ" عندهم ظرفٌ مختصٌّ كالدار فلا يَصِلُ إليها الفعلُ - غيرَ "دخلت" عند سيبويه، و "انطلقت" و "ذهبت" عند الفراء - إلا بوساطة "في" إلا في ضرورة، وإذا كان كذلك فضميرُه أَحْرى أَنْ لا يَتَعَدَّى إليه الفعل". وزعم ابن الطرواة أنَّ "الطريق" ظرفٌ غيرُ مختصٍ فيصلُ إليه الفعلُ بنفسه، وأباه النحاة.
(٨/١٤٥)
---