وقوله: ﴿بِهِم﴾ فيه التفاتٌ من الخطابِ إلى الغَيْبة. قال الزمخشري: / "فإن قلت: ما فائدةُ صَرْفِ الكلامِ عن الخطابِ إلى الغَيْبة؟ قلت: المبالغةُ كأنه يَذْكُرُ لغيرهم حالَه ليُعْجِبَهم منها ويَسْتدعي منهم الإِنكارَ والتقبيح". وقال ابن عطية:"بهم" خروجٌ من الخطاب إلى الغَيْبة وحَسُنَ ذلك لأن قوله: ﴿كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ﴾ هو بالمعنى المعقول، حتى إذا حَصَلَ بعضُكم في السفن" انتهى. فقدَّر اسماً غائباً وهو ذلك المضافُ المحذوف، فالضميرُ الغائب يعود عليه. ومثلُه ﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ﴾ تقديره: أو كذي ظلمات" وعلى هذا فليس من الالتفات في شيءٍ. وقال الشيخ: "والذي يَظْهر أنَّ حكمةَ الالتفاتِ هنا هي أن قولَه ﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ﴾ خطابٌ فيه امتنانٌ وإظهارُ نعمةٍ للمخاطبين، والمسيَّرون في البر والبحر مؤمنون وكفَّار، والخطابُ شاملٌ، فَحَسُن خطابُهم بذلك ليستديمَ الصالحُ الشكرَ، ولعلَّ الطالحَ يتذكر هذه النعمةَ، ولمَّا كان في آخر الآية ما يقتضي أنهم إذا نَجَوا بَغَوا في الأرضِ عَدَلَ عن خطابهم بذلك إلى الغَيْبة لئلا يخاطب المؤمنين بما لا يليق صُدورُه منهم وهو البغيُ بغير الحق"
قوله: ﴿بِرِيحٍ﴾ متعلقٌ بـ"جَرَيْنَ"، فيقال: كيف يتعدَّى فعلٌ واحدٌ إلى معمولَيْن بحرفِ جرٍ متحدٍ لفظاً ومعنى؟. فالجوابُ أن الباءَ الأولى للتعدية كهي في "مررت بزيدُ" والثانية للسبب فاختلف المعنيان، فلذلك تعلَّقا بعاملِ واحدٍ. يجوز أن تكونَ الباءُ الثانيةُ للحالِ للتعلقَ بمحذوف، والتقدير: جَرَيْنَ بهم ملتبسةً بريح، فتكونُ الحالُ من ضمير الفلك.
قوله: ﴿وَفَرِحُواْ بِهَا﴾، يجوز أن تكون هذه الجملةُ نَسَقاً على "جَرَيْنَ"، وأن تكونَ حالاً، و "قد" معها مضمرةٌ عند بعضهم، أي: وقد فَرِحوا، وصاحبُ الحال الضمير في "بهم".
(٨/١٤٧)
---


الصفحة التالية
Icon