ونسبةُ المِلْكِ والمُلْك إلى الزمانِ في حقِّ الله تعالى غيرُ مُشْكِلَةٍ، ويؤيِّدُه ظاهرُ قراءةِ مَنْ قرأ: "مَلَكَ يومَ الدينِ" فعلاً ماضياً فإن ظاهرَها كونُ "يوم" مفعولاً به. والإضافة على معنى اللام لأنها الأصل، ومنهم مَنْ جعلها في هذا النحو على معنى "في" مستنداً إلى ظاهر قوله تعالى: ﴿بَلْ مَكْرُ الْلَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ قال: "المعنى مَكْرٌ في الليل، إذ الليل لا يُوصَف بالمكرِ، إنما يُوصَفُ به العقلاءُ، فالمكرُ واقعٌ فيه". والمشهورُ أن الإضافةَ: إمَّا على معنى اللام وإمَّا على معنى "مَنْ"، وكونها بمعنى "في" غيرُ صحيح. وأمَّا قولُه تعالى: ﴿مَكْرُ الْلَّيْلِ﴾ فلا دَلالةَ فيه، لأن هذا من باب البلاغة، وهو التجوُّزُ في أَنْ جَعَلَ ليلَهم ونهارَهم ماكِرَيْنِ مبالغةً في كثرةِ وقوعِه منهم فيهما، فهو نظيرُ قولهم: نهارُه صائمٌ وليلُه قائم، وقولِ الشاعر:
٥٠- أمَّا النهارُ ففي قَيْدٍ وسِلْسِلَةٍ * والليلُ في قَعْرِ منحوتٍ من السَّاجِ
لمًّا كانت هذه الأشياءُ يكثرُ وقوعُها في هذه الظروفِ وَصَفُوها بها مبالغةً في ذلك، وهو مذهبٌ حَسَنٌ مشهورٌ في كلامهم.
واليومُ لغةً: القطعةُ من الزمان أيِّ زمنٍ كانَ من ليلٍ أو نهار، قال تعالى: ﴿وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ﴾ وذلك كنايةٌ عن احتضارِ الموتى، وهو لا يختصُّ بليل ولا نهار، وأمَّا/ في العُرْف فهو من طلوعِ الفجرِ إلى غروب الشمس. وقال الراغب: "اليومُ نعبِّر به عن وقنت طلوعِ الشمس إلى غروبها"، قلت: وهذا إنما ذكروه في النهارِ لا في اليوم، وجعلوا الفرقَ بينهما ما ذكرت لك.
والدِّيْنِ: مضافٌ إليه أيضاً، والمرادُ به هنا: الجزاءُ، ومنه قول الشاعر:
٥١- ولم يَبْقَ سوى العُدْوا * نِ دِنَّاهم كما دَانُوا
أي جازَيْناهم كما جاوزنا، وقال آخر:
٥٢- واعلَمْ يقيناً أنَّ مُلْكَكَ زائلٌ * واعلَمْ بأنَّ كما تَدِينُ تُدَانُ
ومثله:


الصفحة التالية
Icon