والثالث: ان تكونَ تفسيريةً؛ لأن في تفصيلِ الآيات معنى القول، فكأنه قيل: لا تعبدوا إلا اللَّه أو أَمَرَكم، وهذا أظهرُ الأقوال؛ لأنه لا يُحْوج إلى إضمار. قوله: "منه" في هذا الضمير وجهان: أحدهما - وهو الظاهرُ - أنه يعودُ على اللَّه تعالى، أي: إنني لكم مِنْ جهة اللَّه نذيرٌ وبشير. قال الشيخ: "فيكون في موضع الصفةِ فيتعلَّقُ بمحذوفٍ، أي: كائن من جهته". وهذا على ظاهره ليس بجيد؛ لأن الصفةَ لا تتقدمُ على الموصوف فكيف تُجعلِ صفةً لـ"نذير"؟ كأنه يريد أنه صفةٌ في الأصل لو تأخَّر، ولكنْ لمَّا تقدَّم صارَ حالاً، وكذا صَرَّح به أبو البقاء، فكان صوابه أن يقول: فيكون في موضع الحال، والتقدير: كائناً مِنْ جهته. الثاني: أنه يعودُ على الكتاب، أي: نذيرٌ لكم مِنْ مخالفته وبشيرٌ منه لمَنْ آمن وعمل صالحاً.
وفي متعلَّقِ هذا الجارِّ أيضاً وجهان، أحدهما: أنه حال من "نذير"، فيتعلَّق بمحذوف كما تقدم. والثاني: أنه متعلق بنفس "نذير" أي: أُنْذركم مِنْه ومِنْ عذابِه إنْ كفرتم، وأبشِّرُكم بثوابه إنْ آمنتم. وقدَّم الإِنذار لنَّ التخويف أَهَمُّ إذ يحصُل به الانزجار.
* ﴿ وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوااْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَّتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيا أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ ﴾
(٨/٢٥١)
---