٦٢- سَقَتْه إياةُ الشمسِ إلاَّ لِثاتِه * أُسِفَّ فلم تَكْدِمْ عليه بإثْمِدِ
وقد قُرش ببعضها شاذاً، وللضمائر بابٌ طويلٌ وتقسيمٌ متسع لا يحتمله هذا الكتابُ، وإنما يأتي في غضونِه ما يليقُ به.
ونعبُدُ: فعلٌ مضارع مرفوع لتجرده من الناصب والجازم، وقيل: لوقوعِه موقعَ الاسم، وهذا رأيُ البصريين، ومعنى المضارعِ المشابِهُ، يعني أنه أشْبَه الاسمَ في حركاتِهِ وسَكَناتِهِ وعددِ حروفِهِ، ألا ترى أنَّ ضارباً بزنة يَضْرب فيما ذَكَرْتُ لك وأنه يَشِيع ويختصُّ في الأزمان، كما يشيعُ الاسمُ ويختصُّ في الأشخاصِ، وفاعلُه مستترٌ وجوباً لِما مرَّ في الاستعاذة.
والعِبادة غاية التذلل، ولا يستحقُّها إلا مَنْ له غايةُ الإفضالِ وهو الباري تعالى، فهي أبلغُ من العبودية، لأنَّ العبوديةَ إظهارُ التذلل، ويقال: طريق مُعَبَّد، أي مذلَّل بالوطء، قال طرفة:
٦٣- تباري عِتاقاً ناجِياتٍ وَأَتْبَعَتْ * وَظِيفاً وظيفاً فوقَ مَوْرٍ مُعَبَّدِ
ومنه: العبدُ لذلَّته، وبعيرٌ مُعَبَّد: أي مُذَلَّل بالقَطِران. وقيل: العبادةُ التجرُّدُ، ويُقال: عَبَدْت الله بالتخفيف فقط، وعَبَّدْتُ الرجلَ بالتشديد فقط: أي ذَلَّلته أو اتخذتُه عبداً.
وفي قوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ التفاتٌ من الغَيْبة إلى الخطاب، أذ لو جَرَى الكلامُ على أصلِه لقيل: الحمد الله، ثم قيل: إياه نعبدُ، والالتفاتُ: نوع من البلاغة. ومن الالتفات -إلا أنه عَكْسُ هذا- قولُه تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم﴾ ولم يقل: بكم. وقد التفت امرؤ القيس ثلاثةَ التفاتات في قوله:
٦٤- تطاوَلَ ليلُكَ بالإثمِدِ * وبات الخَليُّ ولم تَرْقُدِ
وباتَ وباتَتْ له ليلَةٌ * كليلة ذي العائِرِ الأرْمَدِ
وذلم من نبأٍ جاءني * وخُبِّرْتُه عن أَبِي الأسودِ
(١/٣٥)
---


الصفحة التالية
Icon