قال الشيخ: "ويَعْلَمُ هنا متعديةٌ إلى واحدٍ، لأنه لو يُراد هنا النسبةُ، إنما المرادُ تعلُّق العلمِ بالمفردات". قلت: وإذا كانت كذلك كانت عِرْفانيةً، وقد قدَّمْتُ أنه لا ينبغي أن يجوزَ نسبةُ هذا إلى اللهِ تعالى، وحَقَّقْتُه فيما تقدَّم، فعليك باعتباره في موضعه من سورة الأنفال.
قوله: ﴿مَا تَحْمِلُ﴾: "ما" تحتمل ثلاثةَ أوجهٍ، أحدُها: أن تكون موصولةً اسميةً، والعائدُ محذوف، أي: ما تحماه. والثاني: أن تكونَ مصدريةً فلا عائدَ. والثالث: أن تكونَ استفهاميةً، وفي محلها وجهان، أحدُهما: أنها في محلِّ رفعٍ بالابتداءِ، و "تحملُ" خبرُه، والجملة معلِّقةٌ للعلمِ. والثاني: أنها في محلِّ نصبٍ بـ "تَحْمل" قاله أبو البقاء، وهو أوْلى، لأنه لا يُحْوِجُ إلى حَذْفِ عائدٍ، ولا سيما عند البصريين فإنهم لا يُجيزون "زيدُ ضربْت"، ولم يذكرِ الشخُ غيرَ هذا، ولم يتعرَّضْ لهذا الاعتراضِ.
و "ما" في قوله ﴿وَمَا تَغِيضُ... وَمَا تَزْدَادُ﴾ محتملةٌ للأوجهِ المتقدمة. وغاض وزاد سُمِع تعدِّيهما، وأن تجعلَها مصدريةً على القولِ بمصدرهما.
قوله: "عندَه" يجوزُ أن يكونَ مجرورَ المحلِّ صفةً لشيءٍ، أو مرفوعَه صفةً لـ "كل"، أو منصوبهَ لقوله "بمقدار" أو ظرفاً للاستقرار الذي تَعَلَّق به الجارُّ لوقوعِه خبراً.
* ﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ ﴾
قوله: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾: يجوز أن يكونَ مبتجأً وخبرُه ﴿الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ﴾، وأن يكونَ خبراً لمبتدأ محذوف، أي: هو عالِمٌ. وقرأ زيد بن عليّ "عالِمَ" نصباً على المدح. ووقف ابن كثير وأبو عمرو في روايةٍ على ياء "المتعال" وصلاً ووقفاً، وهذا هو الأشهرُ في لسانهم، وحَذَفَها الباقون وصلاً ووقفاً لحَذْفِها في الرسم. واستسهل سيبويه حَذْفَها في الفواصل والقوافي ولأن "أل" تعاقِبُ التنوين، فَحُذِفَتْ معها لها مُجْراها.
(٩/٩٩)
---