قوله: ﴿وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ﴾ فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أن يكونَ معطوفاً على "مُسْتَخْفٍ"، ويُرادُ بـ "مَنْ" حينئذٍ اثنان، وحضمَلَ المبتدأَ الذي هو لفطةُ "هو" على لفظِها فأفرده، والخبرَ على معناها فثنَّاه. الوجه الثاني: أن يكونَ عطفاً على "﴿مَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ﴾ لا على مُسْتَخْفٍ وحدَه. ويُرَجِّح هذين الوجهين ما قاله الزمخشري. قال رحمه الله: "فإنْ قلت: كان حقُّ العبارة أن يُقال: "ومَنْ هو مُسْتَخْفٍ بالليل ومَنْ هو ساربٌ بالنهار؛ حتى يتناولَ معنى الاستواء المستخفي والساربُ، وإلاَّ فقد تناول واحداً هو مُسْتَخْفٍ وساربٌ. قلت: فيه وجهان، أحدٌهما: أنَّ قولَه "وساربٌ" عطفٌ على ﴿مَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ﴾ لا على "مُسْتَخْفٍ". والثاني: أنه عَطْفٌ على "مُسْتَخْفٍ"، إلا أنَّ "مَنْ" في معنى الاثنين، كقوله:
٢٨٤٣-...................... * نَكُنْ مثلَ مَنْ يا ذئبُ يَصْطَحِبانِ
كأنه قيل: سواءٌ منكم اثنان: ﴿مُسْتَخْفٍ بِالْلَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَار﴾. وقلت: وفي عبارتِه بقوله "كان حقُّ العبارةِ أدب. وقوله: كقولِه "نضكُنْ مثلَ مَنْ" يشير إلى البيت المشهور في قصة بعضِهم مع ذئبٍ يخاطبه:
تَعَشَّ فإنْ عاهَدْتَني ولا تَخُونُني * نَكُنْ مِثْل مَنْ يا ذئبُ يَصْطَحِبان
وليس في البيت حَمْلٌ على اللفظِ والمعنى، إنما فيه حَمْلٌ على المعنى فقط، وهو مقصودُه. وقوله: "وإلا فقد تناول واحداً هو مُسْتَخْفٍ وسارِبٌ" لو قال بهذا قائلٌ لأصاب الصوابَ، وهو مذهبُ ابنِ عباس ومجاهدٍ، ذهبا إلى أن المتسخفي والسارب شخصٌ واحد، يَسْتخفي بالليل ويَسْرُب بالنهار ليرى تصرُّفَه في الناسِ.
الثالث: أن يكونَ على حذف "مَنْ" الموصولة، أي: ومَنْ هو سارِبٌ، وهذا إنما يَتَمَشَّى عند الكوفيين، فإنهم يُجيزون حَذْفَ الموصول، وقد تقدَّم استدلالُهم ذلك.
والسَّارِب: اسمُ فاعلٍ مِنْ سَرَبَ يَسْرُبُ، أي: تَصَرَّف كيف شاء. قال:
(٩/١٠١)
---