وتقديمُ كلٍّ من الجار والمبتدأ يفيد الاختصاصَ. قال الزمشخري: "فإن قلت: قوله: ﴿وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ مُخْرَجٌ عن سَنَنِ الخِطاب، مقدَّم فيه النجم، مُقْحَمٌ فيه [هم]، كأنه قيل: وبالنجمش خصوصاً هؤلاء خصوصاً يهتدونَ، فَمَنْ المرادُ بهم؟ قلت: كأنَّه أراد قريشاً، كان لهم اهتداءٌ بالنحوم في مسائرِهم، وكان لهم به عِلْمٌ لم يكنْ لغيرِهم فكان الشكرُ عليهم أوجبَ ولهم أَلْزَمَ".
* ﴿ أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ﴾
قوله تعالى: ﴿كَمَن لاَّ يَخْلُقُ﴾ إنْ أُريد بـ "مَنْ لا يَخْلُق" جميعٌ ما عُبِد مِنْ دون الله كان ولاودُ "مَنْ" واضحاً؛ لأن العاقلَ يُغَلَّبُ على غيرِه، فيُعبَّر عن الجميع بـ "مَنْ" ولو جِيْء بـ "ما" أيضاً لجازَ، وإنْ أريد به الأصنامُ ففي إيقاعِ "مَنْ" عليهم أوجهٌ، أحدُها: إجراؤهم لها مُجْرى أُولي العلمِ في عبادتهم إياها واعتقادِ أنها تَضُرُّ وتنفع كقوله:
٢٩٦٩- بَكَيْتُ إلى سِرْبِ القَطا إذْ مَرَرْنَ بي * فقلتُ ومِثْلي بالبكاءِ جديرُ
أسِرْبَ القَطا هل مَنْ يُعيرُ جناحَه لعلِّي إلى مَن قد هَوَيْتُ أطيرُ
فأوقعَ على السِّرْب "مَنْ" لمَّا عاملها معاملةَ العقلاءِ. الثاني: المشاكلةُ بينه وبين مَنْ يَخْلُق. الثالث: تخصيصُه بمَنْ يَعْلَم، والمعنى: أنه إذا حَصَلَ التبايُنُ بين مَنْ لا يَخْلُق مِنْ أولي العلم، وأنَّ غيرَ الخالقِ لا يَسْتحق العبادةَ البتة، فكيف تستقيم عبادةُ الجمادِ المنحطِّ رتبةً، الساقطِ منزلةً عن المخلوقِ من أولي العلم كقوله: ﴿أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ﴾ إلى آخره؟ وأمَّا مَنْ يُجيز إيقاعَ "مَنْ" على غيرِ العقلاء مِنْ شرطٍ كقطرب فلا يحتاج إلى تأويلٍ.
(٩/٢٣٥)
---