قوله: ﴿أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ "أيَّان" منصوبٌ بما بعده لا بما قبلَه لأنه استفهامٌ، وهو مُعَلَّقٌ لـ "يَشْعُرون" فجملتُه في محلِّ نصبٍ على إسقاطِ الخافضِ، هذا هو الظاهرُ. وفي الآية قولٌ آخرُ: وهو أن "أيَّان" ظرفٌ لقولِه ﴿إِلاهُكُمْ إِلاهٌ وَاحِدٌ﴾ يعني أن الإلهَ واحدٌ يومَ القيامة، ولم يَدَّعِ أحدٌ الإلهيةَ في ذلك اليومِ بخلاف أيَّام الدنيا، فإنه قد وُجد فيها من ادَّعى ذلك، وعلى هذا فقد تَمَّ الكلامُ على قوله "يَشْعُرون"، إلا أن هذا القول مُخْرِجٌ لـ "أيَّان" عن موضوعِها -وهو: إمَّا/ الشرطُ، إمَّا الاستفهامُ -إلى مَحْضِ الظرفيةِ بمعنى وقت، مضافٌ للجملة بعده كقولِك: "وقتَ تَذْهَبُ عمروٌ منطلق" فوقتَ منصوبٌ بمُنْطَلِق، مضافٌ لتذهب.
* ﴿ لاَ جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ ﴾
قوله تعالى: ﴿لاَ جَرَمَ﴾: قد تقدَّمَ الكلامُ على هذه اللفظةِ في سورةِ هود. والعامَّةُ على فتحِ الهمزة مِنْ "انَّ اللهَ" وكَسَرَها عيسى الثقفيُّ، وفيها وجهان، أظهرُهما: الاستئنافُ. والثاني: جَرَيانُ "لا جَرَم" مَجْرَى القسمِ فَتُتَلَقَّى بما يُتَلَقَّى به. وقال بعضُ العرب: "لا جَرَم واللهِ لا فارَقْتُك" وهذا عندي يُضْعِفُ كونَها للقسم لتصريحه بالقسمِ بعدها، وإن كان الشيخ أتى بذلك مُقَوِّياً لجريانِها مَجْرى القسَم.
* ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَّاذَآ أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ ﴾
قوله تعالى: ﴿مَّاذَآ أَنْزَلَ﴾: قد تقدَّم الكلامُ على "ماذا" أولَ البقرة. وقال الزمخشري: "أو مرفوعٌ بالابتداءِ بمعنى: أيُّ شيءٍ أنزلَه ربُّكم؟ قال الشيخ: "وهذا غيرُ جائزٍ عند البصريين". يعني مِنْ كونِه حَذَفَ عائدَه المنصوب نحو: "زيدٌ ضربتُ" وقد تقدَّم خلافُ الناس في هذا، والصحيحُ جوازه.
(٩/٢٣٧)
---


الصفحة التالية
Icon