قوله تعالى: ﴿خَيْراً﴾: خيراً: العامَّةُ على نَصْبِه، أي: أَنْزل خيراً. قال الزمخشري: "فإن قلتَ: لِمَ قلتَ: لِمَ رَفَعَ الأولَ ونَصَبَ هذا؟ قلت: فصلاً بين جواب المُقِرِّ وجوابِ الجاحد". يعني أن هؤلاء لمَّا سُئِلوا لم يَتَلَعْثموا، وأطبقوا الجوابَ على السؤال بَيِّنا مكشوفاً مفعولاً للإنزال فقالوا: خيراً، وأولئك عَدَلوا بالجواب عن السؤال فقالوا: هو أساطيرُ الأولين، وليس هو من الإنزال في شيء.
وزيدُ بن علي: "خيرٌ" بالرفع، أي: المُنْزَل خيرٌ، وهي مؤيدةٌ لجَعْلِ "ذا" موصولةً، وهو الأحسنُ لمطابقة الجوابِ لسؤاله، وإن كان العكسُ جائزاً، وقد تقدَّم تحقيقُه في البقرة.
قوله: ﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هاذِهِ الْدُّنْيَا حَسَنَةٌ﴾ هذه الجملةُ يجوز فيها أوجهٌ، أحدها: أن تكونَ منقطعةً مِمَّا قبلها، إخبارَ استئنافٍ بذلك. الثاني: أنها بدلٌ مِنْ "خيراً". قال الزمخشري: "هو بدل من "خيراً" حكايةً لقول الذين اتَّقَوْا، أي: قالوا هذا القولَ فقدَّم تسميتَه خيراً ثم حكاه". الثالث: أن هذه الجملةَ تفسيرٌ لقوله: "خيراً"؛ وذلك أن الخيرَ هو الوحيُ الذي أَنْزل الله فيه: مَنْ أَحْسَنَ في الدنيا بالطاعة حسنةٌ في الدنيا وحسنةٌ في الآخرة.
وقوله: ﴿فِي هاذِهِ الْدُّنْيَا﴾ الظاهرُ تعلُّقه بـ "أَحْسَنوا"، أي: أَوْقَعوا الحسنةَ في دار الدنيا. ويجوز أن يكونَ متعلقاً بمحذوفٍ على أنه حال مِنْ "حَسَنَة" إذ لو تأخَّر لكان صفةً لها، ويَضْعُفُ تعلُّقه بها نفسِها لتقدُّمِه عليها.
* ﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ ﴾
(٩/٢٤٤)
---


الصفحة التالية
Icon