قوله تعالى: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ﴾: يحوز أن يكونَ هو المخصوصَ بالمدح فيجيءُ فيها ثلاثةُ الأوجهِ: رفعُها بالابتداء، والجمةُ المتقدمة خبرُها، أو رفعُها خبرَ المبتدأ المضمر، أو رفعُها بالابتداءِ والخبرُ محذوفٌ، وهو أضعفُها، وقد تقدَّم تحقيقُ ذلك. ويجوز أن يكونَ ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ﴾ خبرَ مبتدأ مضمرٍ لا على ما تقدَّم، بل يكونُ المخصوصُ محذوفاً، تقديرُه: ولَنِعْمَ دارُ المتقين دارُهم هي جنات. وقَدَّره الزمخشريُّ "ولَنِعْمَ دارُ المتقين دارُ الآخرة". ويجوز أن يكونَ مبتدأً. والخبرُ الجملةُ مِنْ قوله: "يَدْخلونها"، ويجوز أن يكونَ الخبرُ مضمراً تقديره: لهم جناتُ عدن، ودلَّ على ذلك قولُه ﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هاذِهِ الْدُّنْيَا حَسَنَةٌ﴾.
والعامَّة على رفع "جناتُ" على ما تقدَّم. وقرأ زيد بن ثابت والسُّلَمي "جناتِ" نصباً على الاشتغال بفعل مضمر تقديره: يَدْخلون جناتِ عدن يَدْخُلونها، وهذه تُقَوِّي أن يكونَ "جنات" مبتدأً، و "يَدْخلونها" الخبرَ في قراءةِ العامَّة.
وقرأ زيد بن علي "ولَنِعْمَةُ دارِ" بتاءِ التأنيثِ مرفوعةٌ بالابتداء، و "دارِ" خفضٌ بالإضافة، و "جَنَّاتُ عَدْنٍ" الخبر. و "يَدْخُلونها" في جميعِ ذلك نصبٌ على الحال، إلاّ إذا جَعَلْناه خبراً لـ ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ﴾.
وقرأ نافع في روايةٍ "يُدْخَلُونها" بالياءِ مِنْ تحتُ مبنياً للمفعول، وأبو عبد الرحمن "تَدْخُلونها" بتاء الخطاب مبنياً للفاعل.
قوله: "تَجْري" يجوز أن يكونَ منصوباً على الحالِ مِنْ "جنات" قاله ابن عطية، وأن يكونَ في موضعِ الصفةِ لـ "جنات" قاله الحوفي، والوجهان مبنيَّان على القولِ في "عَدْن": هل هو معرفةٌ لكونِه علماً، أو نكرةً، فقائلُ الحالِ لَحَظ الأولَ، وقائلُ النعتِ لحظَ الثاني.
قوله: "تَجْري" الكلامُ في هذه الجملةِ كالكلامِ في الجملة قبلَها، والخبرُ: إمَّا "لهم" و إمَّا "فيها".
(٩/٢٤٥)
---