والثاني: أنها شرطية، وفعلُ الشرطِ بعدها محذوفٌ وإليه نحا الفراء، وتبعه الحوفيُّ وأبو البقاء. قال الفراء: "التقدير: وما يكنْ بكم". وقد رُدَّ هذا بأنه لا يُحْذَفُ فعلٌ إلا بعد "إنْ" خاصةً، في موضعين، أحدُهما: أن يكون في باب الاشتغال نحو: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ﴾ لأنَّ المحذوفَ في حكمِ المذكورِ. والثاني: أن تكونَ "إنْ" متلوَّةً بـ "لا" النافية، وأنْ يَدُلَّ على الشرطِ ما تقدَّمه من الكلامِ كقوله:
٢٩٨٢- فطلَِّقْها فَلَسْتَ لها بكُفْءٍ * وإلاَّ يَعْلُ مَفْرِقَك الحُسامُ
أي: وإن لا تُطَلِّقْها، فَحَذَفَ لدلالةِ قوله "فَطَلِّقْها" عليه فإن لم توجَدْ "لا" النافيةُ، أو كانت الأداةُ غيرَ "إنْ" لم يُحْذَفْ إلا ضرورةً، مثالُ الأول:
٢٩٨٣- قالَتْ بناتُ العمِّ يا سَلْمَى وإنْ * كان غنياً مُعْدِماً قالت: وإنْ
أي: وإن كان غنياً رَضِيْتُه. ومثالُ الثاني:
٢٩٨٤- صَعْدَة نابتةٌ في حائرٍ * اَيْنَما الريحُ تُمَيِّلْها تَمِلْ
وقول الآخر:
٢٩٨٥- فمتى واغِلٌ يَنُبْهُمْ يُحَيُّو * ه وتُعْطَفْ عليه كأسُ الساقي
قوله: ﴿فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ﴾ الفاءُ جوابُ "إذا". والجُؤار رَفْعُ الصوتِ، قال رؤبة يصفُ راهباً./
٢٩٨٦- يُراوِحُ مِنْ صلواتِ المَلِيـ * ـكِ طَوْراً سُجوداً وطَوْراً جُؤاراً
ومنهم مَنْ قَيَّده بالاستغاثة، وأنشد الزمخشري:
٢٩٨٧- جَآَّرُ ساعاتِ النيامِ لربِّه *..........................
وقيل: الجُؤَار كالخُوار، جَأَر الثورُ وخارَ واحد، إلا أنَّ هذا مهموزُ العين وذلك معتلُّها. وقال الراغب: "جَأَر إذا أفرط في الدعاء والتضرع، تشبيهاً بجُؤْارِ الوَحْشِيَّات".
وقرأ الزهري: "تَجَرون" بحذفِ الهمزةِ وإلقاء حركتها على الساكنِ قبلَها، كما قرأ نافع "رِدَّاً" في "رِدْءاً".
* ﴿ ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ﴾
(٩/٢٦٤)
---


الصفحة التالية
Icon