وما ذكره يحتاج إلى إيضاحٍ أكثرَ مِنْ هذا فأقول فيها مختصراً: اعلمْ أنه لا يجوز تَهَدَّى فِعْلِ المضمرِ المتصلِ ولا فعلِ الظاهرِ إلى ضميرِها المتصلِ، إلا في بابِ ظَنَّ وأخواتِها من أفعال القلوب، وفي فَقَد وعَدَمِ، فلا يجوز: "زيد ضربه" ولا "ضربه زيد"، أي: ضربَ نفسه. ويجوز: "زيد ظنَّه قائماً"، وظنَّه زيدٌ قائماً، و "زيد فَقَده وعَدِمه"، و "فَقَدَه وعَدِمَه زيد"، ولا يجوز تَعَدَّى فِعْلِ المضمرِ المتصل إلى ظاهره في بابٍ من الأبواب، لا يجوز "زيداً ضرب"، أي: ضربَ نفسَه.
وفي قولي: "إلى ضميرها المتصلِ" قيدان أحدُهما: كونُه ضميراً فلو كان ظاهراً كالنفس لم يمتنع نحو: "زيدٌ ضَرَبَ نفسَه" و "ضَرَبَ نفسَه زيدٌ". والثاني: كونُه متصلاً، فلو كان منفصلاً جاز نحو: "زيدٌ ما ضربَ إلا إياه"، و "ما ضرب زيدٌ إلا إياه"، وعِلَلُ هذه المسألةِ وأدلتُها موضوعُها غيرُ هذا الموضوعِ، وقد أَتْقَنْتُها في "شرح التسهيل".
وقال مكي: "وهذا لا يجوزُ عند البصريين، كما لا يحوز جعلتُ لي طعاماً، إنما يجوز: جعلتُ لنفسي طعاماً، فلو كان لفظُ القرآن "ولأنفسِهم ما يَشْتَهون" جاز ما قال الفراء عند البصريين. وهذا أصلٌ يحتاج إلى تعليلٍ وبَسْطٍ كثير". قلت: ما أشارَ إليه من المَنْعِ قد عَرفْتَه ولله الحمدُ مما قدَّمْتُه لك.
وقال الشيخ بعد ما حكى أنَّ "ما" في موضعِ نصبٍ عن الفراءِ ومَن تبعه: "وقال ابو البقاء - وقد حكاه-: وفيه نظرٌ". قلت: وأبو البقاء لم يجعلِ النظرَ في هذا الوجه، إنما جعله في تضعيفه بكونِه يؤدِّي إلى تَعَدِّي فِعْلِ المضمر المتصل إلى ضميره المتصل في غيرِ ما اسْتُثْني فإنه قال: "وضَعَّف قومٌ هذا الوجهَ وقالوا: لو كان كذلك لقال: ولأنفسهم، وفيه نظرٌ" فجعل النظرَ في تضعيفِه لا فيه.
(٩/٢٦٧)
---


الصفحة التالية
Icon