قوله تعالى: ﴿نُّسْقِيكُمْ﴾: يجوز أن تكونَ هذه الجملةُ مفسرةً للعِبْرة، كأنه قيل: كيف العِبْرة؟ فقيل: نُسْقيكم من بينِ فَرْثٍ ودمٍ لبناً خالصاً. ويجوز أن تكونَ خبراً لمبتدأ مضمر، والجملةُ جوابٌ لذلك السؤالِ، أي: هي، أي: العِبْرَةُ نُسْقيكم، ويكون كقولهم: تَسْمَعُ بالمُعْيدِيَّ خيرٌ من أَنْ تَراه".
وقرأ نافع وابنُ عامر وأبو بكر "نَسْقيكم" بفتح النون هنا وفي المؤمنين. والباقون بضمَّهما فيهما. واختلف الناس: هل سَقَى وأَسْقى لغتان، بمعنىً واحدٍ أم بينهما فرقٌ؟ خلافٌ مشهور. هما بمعنىً، وأنشد جمعاً بين اللغتين:
٢٢٩٠- سَقَى قومي بني مَجْدٍ وأسْقَى * نُمَيْراً والقبائلَ من هلالِ
دعا للجميع بالسَّقْيِ والخِصْب. و "نُمَيْراً" هو المفعول الثاني: أي: ماءٌ نُمَيْراً. وقال أبو عبيد: "مَنْ سَقَى الشِّفَةِ: سَقَى فقط، ومَنْ سقى الشجرَ والأرضَ. أَسْقَى، وللداعي بالسُّقْيَا وغيرهما: أَسْقَى فقط". وقال الأزهري: "العربُ تقول ما كان من بطونِ الأنعام، ومن السماء، أو نهرٍ يجري، أَسْقَيْتُ، أي: جَعَلْتُ شِرْباً له وجَعَلْتُ له منه سُقْيَا؟، فإذا كان للشَّفَة قالوا: سَقَى، ولم يقولوا: أسقى".
وقال الفارسي: "سَقَيْتُه ختى رَوِيَ، وأَسْقَيْتُه نهراً، أي: جَعَلْتُه له شِرْباً". وقيل" سَقاه إذا ناوله الإناءَ ليشربَ مِنْ هذا: أَسْقاه.
(٩/٢٧٠)
---