قوله تعالى: ﴿أَنِ اتَّخِذِي﴾: يجوز أن تكونَ مفسِّرةً، وأن تكون مصدريةً. واستشكل بعضُهُم كونَها مفسرةً. قال: "لأنَّ الوَحْيَ هنا ليس فيه معنى القول؛ إذ هو إلهامٌ لا قولَ فيه". وفيه نظرٌ؛ لأنَّ القولَ لكلِّ شيءٍ بحسَبِه.
والنَّحْلُ: يذكَّر ويؤنَّث على قاعدةِ أسماء الأجناس. والتأنيثُ فيه لغةُ الحجاز، وعليها جاء ﴿أَنِ اتَّخِذِي﴾. وقرأ ابن وثَّاب "النخلَ" فيُحتمل أن يكون لغةً مستقلةً، وأن يكونَ إتباعاً.
و ﴿مِنَ الْجِبَالِ﴾ "مِنْ" فيه للتعيض؛ إذ لا يتهيَّأُ لها ذلك في كلِّ جبلٍ ولا سجرٍ. وتقدَّم القول في "يَعْرِشُونَ"، ومَنْ قرأ بالكسر والفتحِ في الأعراف.
* ﴿ ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَآءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذالِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾
قوله تعالى: ﴿ذُلُلاً﴾: جمع ذَلُول. ويجوز أن تكونَ حالاً مِن السُّبُل، أي: ذَلَّلها اللهُ تعالى، كقوله: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً﴾ وأن تكونَ حالاً مِنْ فاعلِ "اسْلُكي"، أي: مطيعةً منقادةً. وفي التفسير المعنيان منقولان.
وانتصابُ "سُبُل" يجوز أن يكونَ على الظرفية، أي: فاسْلُكي كا أكلْتِ في سُبُلِ ربِّك، أي في مسالكه التي يحيل فيها بقدرته النَّوْر ونحوه عَسَلاً، وأن يكونَ مفعولاً به، أي: اسْلكي الطرقَ التي أَفْهَمَكِ وعلَّمَكِ في عَمَلِ العسل. و "مِنْ" في ﴿مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾ يجوز ان تكونَ تبهيضيةً، وأن تكونَ للابتداءِ على معنى: أنها تأكُلُ شيئاً ينزل من السماء شِبْهَ التَّرَنْجَبِيْن على وَرَق الشجر وثمارِها، لا أنها تأكلُ نَفْسَ الثمرات، وهو بعيدٌ جداٌ.
(٩/٢٧٨)
---


الصفحة التالية
Icon