ونقل مكيٌّ أن اسمَ المصدرِ لا يعملُ عند البصريين إلا في شعرٍ. قلت: وقد اختلفتِ النقلةُ / عند البصريين: فمنهم مَنْ نَقَلَ المَنْعَ، ومنهم مَنْ نَقَلَ الجوازَ. وقد ذكر الفارسيُّ انتصابَه بـ "رِزْقاً" كما تقدَّم. ورَدَّ عليه ابنُ الطَّراوة بأن الرزْقَ اسم المرزوق كالرَّعْيِ والطَّحْن. ورُدَّ على ابنِ الطراوة: بأنَّ الرِّزْقَ بالكسرِ أيضاً مصدرٌ، وقد سُمِعَ فيه ذلك. قلت: فظاهرُ هذا أنه مصدرٌ بنفسِه لا اسمُ مصدرٍ.
وقوله: ﴿مِّنَ السَّمَاوَاتِ﴾ فيه ثلاثةُ أوجهٍ: أحدُها: أنه متعلقٌ بـ "يملك"، وذلك على الإعرابين الأوَّلَيْنِ في نصبِ "شيئاً". الثاني: أنه متعلقٌ بمحذوفٍ على أنه صفةٌ لـ "رزقاً". الثالث: أن يتعلَّقَ بنفس "رِزْقاً" إن جعلناه مصدراً. وقال ابن عطية: - بعد أن ذكر إعمالَ المصدرِ منوَّناً - "والمصدرُ يعمل مضافاً باتفاق؛ لأنه في تقديرِ الانفصالِ، ولا يَعْمَل إذ دخله الألفُ واللام؛ لأنه قد تَوَغَّلَ في حالِ الأسماءِ، وبَعُد عن الفعليَّة، وتقدير الانفصالِ في الإضافةِ حَسَّنَ عملَه، وقد جاء عاملاً مع الألف واللام في قول الشَّاعر:
٣٠٠٥- ضعيفُ النكايةِ أهداءَه *...............................
[وقوله]:
٣٠٠٦-......................... * فلم أَنْكِلْ عن الضَرْبِ مِسْمَعا
قال الشيخ: "أمَّا قولُه "باتفاق": إن عَنَى من البصريين فصحيحُ، وإن عَنَى مِنَ النحويين فليس بصحيح؛ إذ قد ذهب بعضُهم إلى أنه لا يعمل. فإن وُجِد بعده منصوبٌ أو مرفوعٌ قَدَّر له عاملاً. وأمَّا قولُه "في تقدير الانفصال" فليس كذلك؛ لئلا تكون إضافتُه غيرَ محضةٍ، كما قال به ابن الطراوة وابن بَرْهان. ومذهبُهما فاسدٌ؛ لأنَّ هذا المصدرَ قد نُعِتَ وأُكِّد بالمعرفة. وقوله "لا يعمل" إلى آخره ناقَضَه بقولِه "وقد جاء عاملاً" إلى آخرِه.
(٩/٢٨٢)
---