قوله: حولَه" فيه وجهان، أظهرُهما: أنه منصوبٌ على الظرف، وقد تقدَّم تحقيقُ القولِ فيه أولَ البقرة. والثاني: انه مفعولٌ. قال أبو البقاء: "أي: طَيَّبْنا ونَمَّيْنا". يعين ضَمَّنه معنى ما يتعدَّى بنفسه، وفيه نظرٌ لأنه لا يَتَصَرَّف.
قوله: "لِنُرِيَه" قرأ العامَّة بنونِ العظمة جَرْياً على "بارَكْنا". وفيهما التفاتان: مِنَ الغَيْبة في قوله ﴿الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾ إلى التكلُّم في "بارَكْنا" و "لِنُرِيَه"، ثم التفتَ إلى الغَيْبَة في قولِه "إنه هو" إن أَعَدْنا الضميرَ على اللهِ تعالى وهو الصحيحُ، ففي الكلام التفاتان.
وقرأ الحسن "لِيُرِيَه" بالياء مِنْ تحتُ أي الله تعالى، وعلى هذه القراءةِ يكون في هذه الآية أربعةُ التفاتات: وذلك أنَّه التفت أولاً من الغَيْبة في قوله ﴿الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾ إلى التكلم في قوله "بارَكْنا"، ثم التفت ثانياً من التكلمِ في "بارَكْنا" إلى الغيبة في "لِيُرِيَه" على هذه القراءة، ثم التفت بالياء من هذه الغَيْبة إلى التكلم في "آياتنا"، م التفت رابعاً من هذا التكلمِ إلى الغيبة في قوله "إنه هو" على الصحيح في الضميرِ أنَّه لله، وأمَّا على قولٍ نقله أبو البقاء أن الضمير في "إنه هو" للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، فلا يجيءُ ذلك، ويكون في قراءة العامَّةِ التفاتٌ واحدٌ، وفي قراءة الحسنِ ثلاثةٌ. وهذا موضعٌ غريبٌ، وأكثرُ ما وَرَدَ الاتفاتُ [فيه] ثلاثُ مرات على ما قال الزمخشري في قولِ امرئ القيس:
٣٠٢٥- تطاوَلَ ليلُكَ بالإثْمِدِ *........................
الأبيات. وقد تقدَّم النزاعُ معه في ذلك، وبعضُ ما يُجاب به عنه أولَ الفاتحة.
ولو ادَّعى مُدَّعٍ أنَّ فيها خمسةَ التفاتات لاحتاج في دَفْعِه إلى دليلٍ واضحٍ، والخامس: الالتفاتُ مِنْ "إنَّه هو" إلى التكلم في قوله ﴿وَآتَيْنَآ مُوسَى﴾ الآية.
(٩/٣١٤)
---


الصفحة التالية
Icon