* ﴿ ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً ﴾
قوله تعالى: ﴿ذُرِّيَّةَ﴾: العامَّةُ على نصبها وفيها أوجهٌ، أحدُها: أنها منصوبةٌ على الاختصاصِ، وبه بدأ الزمخشري. الثاني: أنَّها منصوبَةً على البدلِ من "وَكِيلاً"، أي: أن لا تتخذوا من دونِه ذريةَ مَنْ حَمَلْنا. الثالثك أنها منصوبةٌ على المفعولِ الأولِ لـ "تتخذوا"، والثاني هو "وكيلاً" فقُدِّم، ويكون "وكيلاً" ممَّا وقع مفردَ اللفظ والمَعْنِيُّ به جمعٌ، أي: لا تتخذوا ذريةَ مَنْ حَمَلْنا مع نوح وُكَلاءَ كقوله: ﴿وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنَّبِيِّيْنَ أَرْبَاباً
﴾. الخامس: أنها منصوبةٌ على النداء، أي: يا ذريةَ مَنْ حَمَلْنا، وخَصُّوا هذا الوجهَ بقراءة الخطاب في "تتَّخذوا" وهو واضحٌ عليها، إلا أنه لا يَلْزَمُ، وإن كان مكيٌّ قد منع فإنه قال: "فأمَّا مَنْ قرأ "يتَّخذوا" بالياء فذريَّةَ مفعولٌ لا غيرَ، ويَبْعُدُ النداءُ؛ لأن الياءَ للغَيْبة والنداءَ للخطابِ، فلا يجتمعان إلا على بُعْدٍ". وليس كما زعم، إذ يجوزُ أن يُناديَ الإنسانَ شخصاً ويُخْبِرَ عن آخرَ فيقول: "يا زيدُ ينطلقٌ بكرٌ وفعلتَ كذا" و "يا زيدُ ليفعلْ عمروٌ كيتَ وكيت".
وقرأت فرقةٌ "ذُرِّيَّةُ" بالرفع، وفيها وجهان، أحدهما: أنها خبرُ مبتدأ مضمرٍ تقديرُه: هو ذريَّةُ، ذكره [أبو] البقاء وليس بواضحٍ. والثاني: أنه بدلٌ من واوِ "تتَّخذوا" قال ابن عطية: "ولا يجوز ذلك في القراءةِ بالتاءِ، لأنك لا تُبْدِلُ من ضميرٍ مخاطب، لو قلت: "ضربْتُك زيداً" على البدل لم يَجُزْ".
(٩/٣١٦)
---