وقوله: ﴿لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ﴾ متعلقٌ بهذا الجوابِ المقدرِ. وقرأ ابن عامر وحمزة وأبو بكر "لِيَسُوْءَ" بالياءِ المفتوحةِ وهمزةٍ مفتوحةٍ آخرَ الفعل. والفاعلُ: إمَّا اللهُ تعالى، وإمَّا الوعدُ، وإمَّا البعثُ، وإمَّا النفيرُ. والكسائيُّ "لِنَسُوءَ" بنونِ العظمة، أي: لِنَسُوءَ نحن، وهو موافِقٌ لِما قبلَه مِنْ قولِه "بَعَثْنا عباداً لنا" و "رَدَدْنا" و "أَمْدَدْنا"، وما بعده من قوله: "عُدْنا" و "جَعَلْنا".
وقرأ الباقون: "لِيَسُوْءُوا" مسنداً إلى ضميرِ الجمع العائد على العِباد، أو على النفير؛ لأنه اسمُ جمعٍ، وهو موافِقٌ لِما بعدَه من قوله ﴿وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ﴾. وفي عَوْدِ الضمير على النفير نظرٌ؛ لأنَّ النفيرَ المذكورَ من المخاطبين، فكيف يُوصف ذلك النفيرُ بأنه يَسُوْء وجوهَهم؟ اللهم إلا أنْ يريدَ هذا القائلَ أنه عائدٌ على لفظِه دون معناه، من بابِ "عندي درهمٌ ونصفُه".
وقرأ أُبَيٌّ "لِنَسُءَنْ" بلامِ الأمرِ ونونِ التوكيدِ الخفيفة ونونِ العظمة، وهذا جوابٌ لـ "إذا"، ولكن على حَذْفِ الفاء، أي" فَلِنَسُوْءَنْ، ودخلت لامُ الأمرِ على فعلِ المتكلمِ كقولِه تعالى: ﴿وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ
﴾. وقرأ عليُّ بنُ أبي طالب "لَيَسُوْءَنَّ" و "وَلَنَسْءَنَّ" بالياء أو النون التي للعظمةِ، ونونِ التوكيدِ الشديدة، واللامِ التي للقسَمْ. وفي مصحف اُبَيّ "لِيَسُوْءُ" بضمِّ الهمزة من غيرِ واوٍ، وهذه القراءةُ تشبه أَنْ تكونَ على لغةِ مَنْ يَجْتَزِئُ عن الواوِ بالضمة، كقوله:
٣٠٣١- فلوْ أنَّ الأطبَّا كانُ حولي *.......................
يريد: "كانوا". وقولِ الآخر:
٣٠٣٢- إذا ما الناسُ جاعُ وأَجْدَبُوا *........................
يريد "جاعُوا"، فكذا هذه القراءةُ، أي: لِيَسُوْءُوا، كما في القراءةِ الشهيرة، فَحَذَفَ الوَاو.
(٩/٣٢١)
---