(٩/٣٢٤)
---
قوله تعالى: ﴿آيَتَيْنِ﴾: يجوز أن يكونَ هو المفعولَ الأولَ، و ﴿الْلَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾ ظرفان في موضع الثاني قُدِّما على الأول، والتقدير: وجَعَلْنا آيتين في الليلِ والنهار، والمرادُ بالآيتين: إمَّا الشمسُ والقمرُ، وإمَّا تكويرُ هذا على هذا، وهذا على هذا، ويجوز أنْ يكونَ "آيَتَيْن" هو الثاني، و ﴿الْلَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾ هما الأول. ثم فيه احتمالان، أحدُهما: أنه على حَذْفِ مضافٍ:/ إمَّا من الأولِ، أي: نَيَّرَي الليل والنهار، وهما القمرُ والشمسُ، وإمَّا من الثاني، أي: ذَوِي آيتين. والثاني: أنه لا حَذْفَ، وأنهما علامتان في أنفسِهما، لهما دلالةٌ على شيءٍ آخرَ. قال أبو البقاء: "فلذلك أضافَ في موضعٍ، وَوَصف في آخر. قال أبو البقاء: "فلذلك أضافَ في موضعٍ، ووَصَف في آخر" يعني أنه أضافَ الآيةَ إليهما في قولِه ﴿آيَةَ الْلَّيْلِ﴾ و ﴿الْلَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾ ووصفَهما في موضعٍ آخرَ بأنهما اثنان لقولِه: "وجَعَلْنا الليلَ والنهارَ آيتين". هذا كلُّه إذا جَعَلْنَا الجَعْلَ تصييراً متعدِّياً لاثنين، فإن جَعَلْناه بمعنى "خَلَقْنا" هذا كلُّه إذا جَعَلْما الجَعْلَ تصييراً متعدِّياً لاثنين، فإن جَعَلْناه بمعنى "خَلَقْنا" كان "آيتين" حالاً، وتكونُ حالاً مقدرة.
واستشكل بعضُهم أَنْ يكونَ "جَعَلَ" بمعنى صَيَّر قال: "لأنه يَسْتَدْعِيْ أن يكونَ الليلُ والنهارُ موجودَيْن على حالةٍ، ثم انتقل عنها إلى أخرى".
قوله: "مُبْصِرَةً" فيه أوجهٌ، أحدُها: أنه مِنْ الإسنادِ المجازيِّ، لأن الإبصارَ فيها لأهلِها، كقولِه: ﴿وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً﴾ لمَّا كانت سبباً للإبْصار. وقيل: "مُبْصِرة": مضيئةً، وقيل: هي من بابِ اَفْعَل، والمرادُ به غيرُ مَنْ أُسْنِد الفعلُ إليه كقولهم: "أَضْعَفَ الرجلُ"، أي: ضَعُفَتْ ماشِيتُه، و "أَجْبن" إذا كان أهلُه جبناء، فالمعنى أنَّ أهلَها بُصراء.
(٩/٣٢٥)
---