وتَتَبَّعه الشيخُ في هذا فقال: "أمَّا ما ارتكبه من المجاز فبعيدٌ جداً، وأمَّا قولُه: "لأنَّ حَذْفَ ما لا دليلَ عليه غيرُ جائزٍ" فتعليلٌ لا يَصِحُّ فيما نحن بسبيلِه، بل ثَمَّ ما يَدُلُّ على حَذْفِه. وقوله: "فكيف يُحْذَفُ ما الدليلُ على نقيضِه قائمٌ" إلى "عِلْم/ الغيب" فنقول: حَذْفُ الشيءِ تارةً يكونُ لدلالةِ خِلافِه أو ضدِّه أو نقيضِه كقولِه تعالى: ﴿وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي الْلَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ أي: ما سَكَنَ وتحرَّك، وقوله: ﴿سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ أي: والبردَ، وقول الشاعر:
٣٠٤١- وما أَدْرِيْ إذا يَمَّمْتُ أرْضاً * أريدُ الخيرَ ايُّهما يَلِينْي
أالخيرُ الذي أنا أَبْتَغِيْهِ * أم الشرُّ الذي هو يَبْتَغيني
أي: وأَجْتَنِبُ الشرَّ، وتقول: "أَمَرْتُه فلم يُحْسِنْ" فليس المعنى: أمرتُه بعدم الإحسانِ، بل المعنى: أَمَرْتُه بالإحسانِ فلم يُحْسِنْ، والآيةُ من هذا القبيل، يُستدلُّ على حذف النقيض بنقيضه كما يُسْتَدَلُ على حَذْفِ النظير بنظيره، وكذلك "أَمَرْتُه فأساء إليَّ" ليس المعنى: أَمَرْتُه بالإحسان. وقوله: "ولا يَلْزم هذا قولَهم: "أَمَرْتُه فعصاني". نقول: بل يَلْزَمُ. وقوله: "لأنَّ ذلك منافٍ"، أي: لأنَّ العِصْيانَ منافٍ. وهو كلامٌ صحيح. وقوله: "فكان المأمورُ به غيرَ مدلولٍ عليه ولا مَنْويٌّ" لا يُسَلَّم بل مَدْلُولٌ عليه ومنوِيٌّ لا دلالةُ الموافقِ بل دلالةُ المناقِض، كما بَيَّنَّا. وقوله: "لا يَنْوِي مأموراً به" لا يُسَلَّم. وقوله: "لأنَّ نقيضَه يَدُلُّ عليه. وقولُه: "ونظيرُ "أمر" "شاء" ليس نظيرَه؛ لأنَّ مفعولَ "أمر" كَثُر التصريحُ به. قال الله [تعالى]: ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَآءِ﴾ ﴿أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوااْ إِلاَّ إِيَّاهُ﴾ ﴿يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ﴾ ﴿أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ﴾ ﴿أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاَمُهُمْ بِهَاذَآ﴾ وقال الشاعر:
(٩/٣٣٠)
---