قوله تعالى: ﴿أَلاَّ تَعْبُدُوااْ إِلاَّ إِيَّاهُ﴾: يجوز أَنْ تكونَ "أنْ" مفسِّرةً؛ لأنها بعد ما هو بمعنى القول، و "لا" نافيةٌ، أي: بأنْ لا، ويجوزُ أن تكونَ المخففةَ، واسمُها ضميرُ الشأن، و "لا" ناهيةٌ أيضاً، والجملةُ في مثل هذا الإشكالِ قولُه: ﴿أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ﴾ وقوله: ﴿أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَآ﴾ لكونِه دعاءً وهو طَلَبٌ أيضاً، ويجوز أَنْ تكونَ الناصبة و "لا" زائدة. قال أبو البقاء: ويجوز أَنْ يكونَ في موضع نصبٍ، [أي:] أَلْزَمَ ربُّك عبادَته و "لا" زائدةٌ". قال الشيخ: "وهذا وهمٌ لدخولِ "إلا" على مفعولِ "تَعْبدوا" فَلَزِم أن يكونَ نَفْياًً أو نهياً".
وقرأ الجمهور "قَضَى" فعلاً ماضياً، فقيل: هي على موضوعِها الأصلي: قال ابنُ عطية: "ويكون الضمير في "تَعْبُدوا" للمؤمنين من الناسِ إلى يومِ القيامةِ" وقيل: هي بمعنى أَمَر. وقيل: بمعنى أَوْحَى، وقيل: بمعنى حَكَم، وقيل: بمعنى أَوْجَبَ أو ألزم.
وقرأ بعضُ وَلَد معاذِ بن جَبَل "وقضاء"/ اسماً مصدراً مرفوعاً بالابتداء، و ﴿أَلاَّ تَعْبُدُوااْ﴾ خبرُه.
قوله: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾ قد تقدَّم نظيرُه في البقرة. وقال الحوفي: : الباءُ متعلقةٌ بـ "قضى"، ويجوز أن تكونَ متعلقةً بفعلٍ محذوفٍ تقديرُه: واَوْصى بالوالدين إحساناً، وإحساناً مصدر، أي: يُحْسِنون بالوالدين إحساناً".
وقال الواحديُّ: "الباءُ مِنْ صلة الإحسانِ فَقُدِّمَتْ عليه كما تقول: بزيدٍ فانْزِلْ". وقد مَنَعَ الزمخشريُّ هذا الوجهَ قال: "لأنَّ المصدرَ لا يتقدَّم عليه معمولُه". قلت: والذي ينبغي أن يُقال: إن هذا المصدرَ إنْ عَنَى به أنه يَنْحَلُّ لحرفٍ مصدريٍّ وفِعْلٍ فالأمرُ على ما ذَكَرَ الزمخشريُّ، وإن كان بدلاً مِنَ اللفظ بالفعلِ فالأمرُ على ما قال الواحديُّ، فالجوازُ والمنعُ بهذين الاعتبارين.
(٩/٣٣٥)
---