وقال ابنُ عطية: "قوله وبالوالدَيْن إحساناً عطف على "أنْ" الأولى، أي: أَمَر اللهُ أَنْ لا تعبدوا إلا إياه، وأن تُحْسِنوا بالوالدَيْن إحساناً". واختار الشيخُ أَنْ يكون "إحساناً" مصدراً واقعاً موقعَ الفعلِ، وأنَّ "أنْ" مفسرةٌ، و "لا" ناهيةٌ. قال: فيكون قد عَطَفَ ما هو بمعنى الأمرِ على نَهْيٍ كقولِه:
٣٠٤٤- أسِيْئي بنا أو أَحْسِنِي لا مَلومةٌ *.......................
وكأنه ضُمِّن "أَحْسَن" لمعنى "لَطُف" فتعدَّى تعديتَه.
قوله: ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ﴾ قرأ الأخَوان "يَبْلُغانِّ" بألفِ التثنيةِ قبل نونِ التوكيدِ المشدَّدةِ المكسورةِ، والباقون دونَ ألفٍ وبفتحِ النون. فأمَّا القراءةُ الأولى ففيها أوجهٌ، أحدها: أن الألفَ ضميرُ الوالدين لتقدُّم ذكرهما، و "أَحَدُهما" بدلٌ منه، و "أو كِلاهما" عطفٌ عليه. وإليه نحا الزمخشريُّ وغيرُه. واشتشكله بعضُهم بأنَّ قولَه "أحدُهما" بدلُ بعضٍ مِنْ كل، لا كلٍّ من كل، لأنه غيرُ وافٍ بمعنى الأول، وقوله بعد ذلك "أو كِلاهما" عطفٌ على البدلِ، فيكونُ بدلاً، وهو مِنْ بدل الكلِّ من الكل؛ لأنه مرادفٌ لألف التثنية. لكنه لا يجوز أن يكونَ بدلاً لعُرُوِّه عن الفائدة؛ إذ المستفادُ من ألفِ التثنيةِ هو المستفادُ مِنْ "كِلاهما" فلم يُفِدِ البدلُ زيادةً على المبدلِ منه.
قلت: هذا معنى قولِ الشيخِ. وفيه نظرٌ؛ إذ لقائلٍ أن يقول: مُسَلَّمٌ أنه لم يُفِدِ البدلُ زيادةً على المبدلِ منه، لكنه لا يَضُرُّ لأنه شانُ التأكيد، ولو أفاد زيادةً أخرى غيرَ مفهومةٍ من الأولِ كان تأسيساً لا تأكيداً. وعلى تقدير تسليمِ ذلك فقد يُجابُ عنه بما قال ابنُ عطية فإنه قال بعد ذِكْره هذا الوجهَ "وهو بدلٌ مُقَسَّمٌ كقولِ الشاعرِ:
٣٠٤٥- وكنت كذي رِجْلَيْنِ رجلٍ صحيحةٍ * ورِجْلٍ رَمَى فيها الزمانُ فَشَلَّتِ
(٩/٣٣٦)
---