وقد نصَّ الزمخشريُّ على مَنْعَ التوكيدِ فقال: فإنْ قلت: لو قيل: "إمَّا يَبْلُغانِّ كلاهما" كان "كلاهما" توكيداً لا بدلً، فما لكَ زَعَمْتَ أنه بدلٌ؟ قلت: لأنَّه معطوفٌ على ما لا يَصِحُّ أن يكون توكيداً للاثنين، فانتظم في حكمِه، فوجَبَ أن يكونَ مثلَه". قلت: يعني أنَّ "أحدُهما: لا يَصْلُحُ أن يقعَ توكيداً للمثنى ولا لغيرِهما، فكذا ما عُطِفَ عليه لأنه شريكُه.
ثم قال: "فإنْ قلتَ: ما ضَرَّك لو جَعَلْتُه توكيداً مع كونِ المعطوفِ عليه بدلاً، وعَطَفْتَ التوكيدَ على البدل؟ قلت: لو أريد توكيدُ التثنيةِ لقيل: "كلاهما" فحسبُ، فلمَّا قيل: "أحدهما أو كلاهما" عُلِمَ أنَّ التوكيدَ غيُ مرادٍ فكان بدلاً مثلَ الأول".
الرابع: أَنْ يرتفعَ "كلاهما" بفعلٍ مقدَّر تقديرُه: أو يبلغُ كلاهما، ويكون "إحداهما" بدلاً من ألفِ الضمير بدلَ بعضٍ من كل. والمعنى: إمَّا يَبْلُغَنَّ عندك أحدُ الوالدَيْن أو يبلُغُ كلاهما.
وأمَّا القراءةُ الثانية فواضحةٌ، و "إن ما": هي "إنْ" الشرطية زِيْدَتْ عليها "ما" توكيداً، فَأُدْغِم أحدُ المتقاربين في الآخر بعد ان قُلب إليه، وهو إدغامٌ واجب. قال الزمخشري: "هي إنْ الشرطيةُ زِيْدَتْ عليها "ما" توكيداً لها ولذلك دَخَلَتْ النون، ولو أُفْرِدَتْ "إنْ" لم يَصِحُّ دخولُها، لا تقول: إن تُكْرِمَنَّ زيداً يُكْرِمْكَ، ولكن: إمَّا تُكْرِمنَّه.
وهذا الذي قاله أبو القاسم نصَّ سيبوزيهِ على خلافهِ، قال سيبويه: "وإن شِئْتَ لم تُقْحِمِ النونَ، كما أنك إن شِئْتَ لم تَجِيءْ بـ "ما". قال الشيخ: "يعني مع النون وعَدَمِها". وفي هذا نظرٌ؛ لأنَّ سيبويه إنما نصَّ على أن نونَ التوكيد لا يجبُ الإتيانُ بها بعد "أمَّا"، وإن كان أبو إسحاقَ قال بوجوبِ ذلك. وقوله بعد ذلك "كما أنَّك إنْ شِئْتَ لم تجيءْ بـ "ما"، ليس فيه دليلٌ على جوازِ توكيدِ الشرط مع إنْ وحدها.
(٩/٣٣٨)
---