وقرأ العامَّةُ "الذُّلِّ" بضم الذَّال، وابن في آخرين بكسرها، وهي استعارةٌ؛ لأنَّ الذِّلَّ في الدوابِّ لأنه ضدُّ الصعوبة، فاستعير للأناسيِّ، كما أن الذُّلَّ بالضمَّ ضدُّ العِزِّ.
قوله: ﴿مِنَ الرَّحْمَةِ﴾ فيه أربعةُ أوجهٍ، أحدُها: أنها للتعليل فتتعلق بـ "اخفِضْ"، أي: اخفِضْ مِن أجل الرحمة. والثاني: أنها لبيانِ الجنس. قال ابنُ عطية: "أي: إنَّ هذا الخفضَ يكون من الرحمة المستكنَّة في النفس". الثالث: أن تكونَ في محلِّ نصبٍ على الحالِ مِنْ "جَناح". الرابع: أنها لابتداءِ الغاية. قوله: ﴿كَمَا رَبَّيَانِي﴾ في هذه الكافِ قولان، أحدهما: أنها نعتٌ لمصدرٍ محذوف، فقدَّره الحوفيُّ: "ارْحَمْهما رحمةً مثلَ تربيتِهما لي". وقدَّره أبو البقاء: "رحمةً مثلَ رحمتِهما"، كأنه جعل التربيةَ رحمةً. الثاني: أنها للتعليل، أي: ارْحَمْهما لأجلِ تربيتهما كقولِه: ﴿وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ﴾.
* ﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً ﴾
قوله تعالى: ﴿وَلاَ تُبَذِّرْ﴾: التَّبْذِيرُ: التفريق ومنه : البَذْرُ" لأنه يُفَرِّق في الأرض للزراعة. قال:
٣٠٥٤- ترائبُ يَسْتَضِيءُ الحَلْيُ فيها * كجَمْر النارِ بُذِّرَ بالظَّلامِ
ثم غَلَبَ في الإسرافِ في النفقةِ.
* ﴿ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَآءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُوراً ﴾
(٩/٣٤٣)
---


الصفحة التالية
Icon