قوله تعالى: ﴿خِطْئاً﴾: قرأ ابن ذكوان: "خَطَّأً" بفتح الخاءِ والطاءِ مِنْ غيرِ مَدّ، وابنُ كثير بكسرِ الخاء والمدّ، ويلزمُ منه فتحُ الطاء، والباقون بالكسرِ وسكونِ الطاء.
فأمَّا قراءةُ ابنِ ذكوان فَخَرَّجها الزجَّاج على وجهين: أحدهما: أن يكونَ مصدرَ خَطِئَ يَخْطَأُ خَطَأً، إذا لم يُصِبْ أيضاً، وأنشد:
٣٠٥٥- والناسُ يَلْحَوْن الأميرَ إذا هُمُ * خَطِئوا الصوابَ ولا يُلام المُرْشِدُ
والمعنى على هذين الوجهين: أنَّ قَتْلهم كان غيرَ صواب. واستبعد قومٌ هذه القراءةَ قالوا: لأن الخطأ ما لم يُتَعَمَّدْ فلا يَصِحُّ معناه ههنا.
قلت: وخفي عنهم أن يكونَ بمعنى أخطأ، أو أنه يقال: "خَطِئ" إذا لَمْ يُصِبْ.
وأمَّا قراءةُ ابنِ كثير فهي مصدرٌ خاطَأَ يُخاطِئ خِطاءً مثل: قاتَلَ يُقاتِل قِتالاً. قال أبو علي: "هي مصدرُ خاطَأَ يُخاطِئ، وإنْ كنَّا لم نجدْ "خاطَأَ" ولكنْ وَجَدْنا تخاطَأَ وهو مطاوِعُ "خاطَأَ" فَدَلَّنا عليه، ومنه قولُ الشاعر:
٣٠٥٦- تخاطَأَتِ النَّبْلُ أَحْشاءَه * وأخَّر يَوْمِي فلم يَعْجَلِ
وقال الآخر:
٣٠٥٧- تخاطأَه القَنَّاصُ حتى وَجَدْتُه * وخُرْطُوْمُه في مَنْقَعِ الماءِ راسِبُ
فكأنَّ هؤلاء الذيم يَقْتُلون أولادَهم يُخاطِئُون الحقَّ والعَدل.
وقد طَعَنَ قومٌ على هذه القراءةِ حتى قال أبو جعفر: "لا أَعْرِفُ لهذه القراءةِ وجهاً"، ولذلك جعلها أبو حاتم غَلَطاً. قلت: قد عَرَفه غيرُهما ولله الحمدُ.
وأمَّا قراءةُ الباقين فخي جيدةٌ واضحةٌ لأنها مِنْ قولهم: خَطِئ يَخْطَأُ خِطْئاً، كأَثِمَ يَأثَمُ إثْماً، إذا تَعَمَّد الكذبَ.
وقرأ الحسن: "خَطاء" بفتح الخاء والمدّ وهو اسمُ مصدر "أَخْطَأَ" كالعَطاء اسمٌ للإعطاء.
وقرأ أيضاً "خَطا" بالقصرِ، وأصلُه "خَطَأ" كقراءةِ ابن ذَكْوان، إلا أنه سَهَّل الهمزةَ بإبدالها ألفاً فَحُذِفت كعَصا.
(٩/٣٤٥)
---


الصفحة التالية
Icon