٣٠٦٥- ذُمَّ المنازلَ بعد منزلةِ اللَّوَى * والعيشَ بعد أولئك الأيامِ
فـ "أولئك" يُشار به إلى العقلاءِ وغيرِهم من الجموع. واعتذر ابنُ عطيةَ عن الإشارةِ به لغير العقلاءِ فقال: "وعَبَّر عن السمعِ والبصَرِ والفؤاد بـ "أولئك" لأنها حواسُّ لها إدراكٌ، وجعلها في هذه الآيةِ مسؤولةً فهي حالةُ مَنْ يَعْقِلُ، ولذلك عَبَّر عنها بكنايةِ مَنْ يَعْقِلُ، وقد قال سيبويه -رحمه الله- في قوله ﴿رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾ إنما قال "رأيتُهم" في نحوم؛ لأنه لَمَّا وصفها بالسجود -وهو فِعْل مَنْ يَعْقِل- عَبَّر عنها بكنايةِ مَنْ يَعْقِلُ. وحكى الزجاج أنَّ العرب تُعَبِّر عَمَّن يَعْقِلُ وعَمَّن لا يَعْقِ بـ "أولئك"، وأنشد هو والطبري:
- ذمَّ المنازلَ بعد منزلة اللَّوى * والعيشَ بعد أولئكَ الأيامِ
وأمَّا حكايةُ أبي إسحاقَ عن اللغةِ فأمرٌ يُوْقَفُ عنده، وأمَّا البيتُ فالروايةُ فيه "الأقوامِ". ولا حاجةَ إلى هذا الاعتذارِ لِما عرفْتَ. وأمَّا قولُه: إنَّ الرواية: "الأقوامِ" فغيرُ معروفةٍ والمعروفُ إنما هو "الأيَّام".
قوله: ﴿كُلُّ أُولائِكَ﴾ مبتدأٌ، والجملةُ مِنْ "كان" خبرُه، وفي اسمِ "كان" وجهان، أحدثهما: أنه عائدٌ على "كل" باعتبارِ لفظِها، وكذا الضميرُ في
عنه"، و "عنه" متعلقٌ بـ "مَسْؤولاً" خبرُها. والثاني: أنَّ اسمَها ضميرٌ يعود على القافي، وفي "عنه" يعودُ على "كل" وهو من الالتفاتِ؛ إذ لو جَرَى على ما تقدَّم لقيل: كنتَ عنه مسؤولاً. وقال الزمخشريُّ: و "عنه" في موضع الرفع بالفاعلية/، أي: كلُّ واحدٍ كان مسؤولاً عنه، فمسؤول مسندٌ إلى الجارِّ والمجرور كالمغضوبِ في قوله: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم﴾ انتهى. وفي تسميته مفعولَ ما لم يُسَمَّ فاعلُه فاعلاً خلافُ الاصطلاح.
(٩/٣٤٩)
---