قوله: ﴿مِنَ الْحِكْمَةِ﴾ يحوز فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أن يكونَ حالاً مِنْ عائدِ الموصولِ المحذوف تقديرُهُ: مِن الذي أوحاه حالَ كونِهِ من الحكمة، أو حالٌ من نفسِ الموصولِ. الثاني: أنه متعلق بأَوْحى، و "مِنْ" إمَّا تبعيضيةٌ؛ لأنَّ ذلك بعضُ الحكمةِ وإمَّا للابتداءِ، وإمَّا للبيان. وحينئذٍ تتعلَّق بمحذوفٍ. الثالث: أنها مع مجرورِها بدلٌ مع مجرورِها بدلٌ مِنْ ﴿مِمَّآ أَوْحَى﴾.
* ﴿ أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلاائِكَةِ إِنَاثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً ﴾
قوله تعالى: ﴿أَفَأَصْفَاكُمْ﴾ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلاائِكَةِ إِنَاثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً}: ألفُ "أَصْفى" عن واوٍ، لأنَّه من صفا يَصْفو، وهو استفهامُ إنكارٍ وتوبيخٍ.
قوله: "واتَّخَذَ" يجوز أن يكونَ معطوفاً على "أَصْفاكم" فيكونَ داخلاً في حَيِّز الإنكار، ويجوز أن تكونَ الواوُ للحالِ، و "قد" مقدرةٌ عند قومٍ. و "اتَّخذ" يجوز أَنْتكونَ المتعديةَ لاثنين، فقال أبو البقاء: "إنَّ ثانيَهما محذوفٌ، أي: أولاداً، والمفعولُ الأولُ هو "إناثاً". وهذا ليس بشيءٍ، بل المفعولُ الثاني هو ﴿مِنَ الْمَلاائِكَةِ﴾ قُدِّم على الأولِ، ولولا ذلك لَزِمَ أن يُبتدأ بالنكرةِ من غير مسوِّغ، لأنَّ ما صَلُح أن يكونَ مبتدأً صَلُح أن يكونَ مفعولاً أول في هذا الباب، وما لا فلا. ويجوز أن تكونَ متعدِّيةً لواحدٍ كقولِه: ﴿وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً﴾ و ﴿مِنَ الْمَلاائِكَةِ﴾ متعلِّقٌ بـ "اتَّخذ" أو بمحذوفٍ على أنه حالٌ من النكرةِ بعده.
* ﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَاذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُواْ وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُوراً ﴾
(٩/٣٥٣)
---


الصفحة التالية
Icon