قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا﴾: العامَّةُ على تشديد الراء، وفي مفعول "صَرَّفْنا" وجهان، أحدُهما: أنه مذكورٌ، و "في" مزيدةٌ فيه، أي: ولقد صَرَّفْنا هذا القرآنَ، كقولِهِ: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ﴾ ومثله:
٣٠٦٨-................... *.... يَجْرَحْ في عَراقيبِها نَصْلِيْ
وقوله تعالى: ﴿وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِيا﴾ أي: يَجْرَحْ عراقيبَها، وأَصْلح لي ذريتي. ورُدَّ هذا بأنَّ "في" لا تُزاد، وما ذُكِرَ متأول، وسيأتي إنْ شاءَ الله تعالى في الأحقاف.
الثاني: أنَّه محذوفٌ تقديرُه: ولقد صَرَّفْنا أمثالَه ومواعظَه وقصصَه وأخبارَه وأوامره.
وقال الزمخشري في تقدير ذلك: "ويجوز أن يُراد بـ "هذا القرآن" إبطالُ إضافتِهم إلى الله البناتِ؛ لأنه ممَّا صرَّفه وكرَّر ذِكْرَه، والمعنى: ولقد صَرَّفْنا القولَ في هذا المعنى، وأوقَعْنا التصريفَ فيه، وجَعَلْناه مكاناً للتكرير، ويجوز أن يريد بـ ﴿هَاذَا الْقُرْآنِ﴾ التنزيلَ، ويريد: ولقد صَرَّفناه، يعني هذا المعنى في مواضعَ من التنزيل، فترك الضميرَ لنه معلومٌ". قلت: وهذا التقديرُ الذي قدَّره الزمخشريُّ أحسنُ؛ لأنه مناسِبٌ لما دَلَّتْ عليه الآيةُ وسِيْقَتْ لأجلِه، فقدَّرَ المفعولَ خاصَّاً، وهو: إمَّا القولُ، وإمَّا المعنى، وهو الضميرُ الذي قدَّره في "صَرَّفْناه" بخلافِ تقديرِ غيرِه، فإنَّ جَعَلَه عامَّاً.
وقيل: المعنى: لم نُنَزِّلْه مرةً واحدة بل نجوماً، والمعنى: أَكْثَرْنا صَرْفَ جبريلَ إليك، فالمفعولُ جبريل عليه السلام.
وقرأ الحسن بتخفيفِ الراء فقيل: هي بمعنى القراءةِ الأولى، وفَعَل وفَعَّل قد يَشْتركان. وقال ابنُ عطية: "أي: صَرَفْنا الناسَ فيه إلى الهدى".
(٩/٣٥٤)
---


الصفحة التالية
Icon