و "مَنْسِيَّاً" نعتٌ على البمالغةِ، وأصلثه مَنْسُوْي فَأُدْغم. وقرأ أبو جعفر والأعمش "مِنْسِيَّاً" بكسر الميم للإتباع لكسرةِ اسين، ولم يَعْتَدُّوا بالساكن لأنه حاجزٌ غيرُ حصينٍ كقولهم: "مِنْتِن" و "مِنْخِر".
* ﴿ فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَآ أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً ﴾
قوله: ﴿مِن تَحْتِهَآ﴾: قرأ الأخَوَان ونافع وحفص بكسر ميم "مِنْ"، وجَرَّ "تحتِها" على الجار والمجرور. والباقون بفتحها ونصب "تحتَها". فالقراءةُ الأولى تقتضي أن يكونَ الفاعلُ في "نادى" مضمراً وفيه تأويلان، أحدهما: هو جبريل ومعنى كونِه ﴿مِن تَحْتِهَآ﴾ أنه في مكانٍ أسفلَ منها. ويَدُل على ذلك قراءةُ ابنِ عباس "فناداها مَلَكٌ مِنْ تحتها: فَصَرَّح به. و ﴿مِن تَحْتِهَآ﴾ على هذا فيه وجهان أحدهما: أنه متعلقٌ بالنداء، أي: جاء النداء مِنْ هذه الجهةِ. والثاني: أنه حالٌ من الفاعل، أي: فناداها وهو تحتَها.
وثاني التأويلين: أنَّ الضمير لعيسى، لأي: فناداها المولودُ مِنْ تحت ذَيْلها. والجارُّ فيه الوجهان: مِنْ كونِه متعلِّقاً بالنداء، أو بمحذوفٍ على أنه حالٌ. والثاني أوضح.
والقراءةُ الثانية: تكون فيها "مَن"ْ موصولةً، والظرفُ صلتُها، والمرادُ بالموصولِ: إمَّا جبريلُ، وإمَّا عيسى.
قوله: ﴿أَلاَّ تَحْزَنِي﴾ يجوزُ في "أَنْ" تكونَ مفسرةً لتقدُّمِها ما هو بمعنى القول، و "لا" على هذا ناهيةٌ، وحَذْفُ النونِ للجزم؛ وأَنْ تكونَ الناصبةَ و "لا" حينئذٍ نافيةٌ، وحَذْفُ النونِ للنصبِ. ومَحَلَّ "أنْ": إمَّا نصب أو جرٌّ لأنها على حَذْفِ حرفِ الجر، أي: فناداها بكذا. والضمير في "تحتها": إمَّا لمريمَ عليها السلام، وإمَّا للنخلةِ، والأولُ أَوْلَى لتوافُقِ الضميرين.
قوله: "سَرِيَّا" يجوز أَنْ يكونَ مفعولاً أولَ، و "تحتك" مفعولٌ ثان لأنها بمعنى صَيَّر. ويجوز أن تكون بمعنى خَلَق، فتكون "تحتك" لغواً.
(١٠/١٢٣)
---