فإنْ قلتَ: مِنْ أين أَخَذْتَ أنه لمَّا جعله حالاً ومفعولاً له أنَّ العاملَ فيه "لِتَشْقَى"؟ مال المانعُ أن يريدَ بالعاملِ فيه فعلَ الإِنزال؟ فالجوابُ أنَّ هذ الوجهَ قد تقدَّم له في قولِه: "وكلُّ واحدٍ مِنْ "لتَشْقَى" و"تذكرةً" علةٌ للفعل". وأيضاً فإنَّ تفسيرَه للمعنى المذكور منصبٌّ على تسلُّطِ "لِتَشْقَى" على "تذكرةً". إلاَّ أنَّ أبا البقاء لمَّا لم يظهرْ له هذا المعنى الذي ظهر للزمخشري مَنَعَ مِنْ عملِ "لِتَشْقَى" في "تذكرةً" فقال: "ولا يَصِحُّ أن يعملَ فيها "لِتَشْقى" لفساد المعنى" وجوابُه ما تقدَّم. ولا غَرْوَ في تسميةِ التعبِ شقاءً. قال الزمخشري: "والشقاءُ يجيء في معنى التعب. ومنه المثل: "أتعبُ مِنْ رائضِ مُهْر" و"أشقى مِنْ رائض مُهْر".
و﴿لِّمَن يَخْشَى﴾ متصلٌ بـ"تذكرةً". وزيدت اللام في المفعولِ تقويةً للعاملِ لكونِه فَرْعاً، ويجوز أني كونَ متعلقاً بمحذوفٍ على أنه صفةٌ لـ"تذكرةً".
* ﴿ تَنزِيلاً مِّمَّنْ خَلَق الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى ﴾
قوله: ﴿تَنزِيلاً﴾: في نصبِه أوجهٌ، أحدها: أن يكونَ بدلاً مِنْ "تذكرةً" إذ جُعِل حالاً لا إذا كان مفعولاً [له] لأنَّ الشيءَ لا يعَلَّلُ بنفسِه. قلت: لأنه يصيرُ التقديرُ: ما أنزَلْنا القرآنَ إلاَّ للتنزيل. الثاني: أن ينتصبَ بـ"نزَّل مضمراً. الثالث: أن ينتصبَ بـ"أَنْزَلْنا" لأنَّ معنى ما أنزلناه إلاَّ تذكرةً: أنزَلْناه تذكرةً. الرابع: أن ينتصبَ على المدحِ والاختصاصِ.
الخامس: أن ينتصبَ بـ"يَخْشَى" مفعولاً به أي: أنزله للتذكرةِ لمَنْ يخشى تنزيلَ الله، وهو معنى حسنٌ وإعرابٌ بيِّن.
قال الشيخُ: ـ ولم يُنْصِفْه ـ "والأحسنُ ما قدَّمانه أولاً من أنه منصوبٌ بـ"نَزَّل" مضمرةً. وما ذكره الزمخشري مِنْ نصبه على غيره فمتكلَّفٌ: أمَّا الأولُ ففيه جَعْلُ تذكرةً وتنزيلاً حالين، وهما مصدران. وجَعْلُ المصدرِ/ حالاً لا ينقاسُ.
(١٠/١٨٢)
---


الصفحة التالية
Icon