وأيضاً فمدلولُ "تذكرةً" ليس مدلولُ "تنزيلَ"، ولا "تنزيلاً" بعضُ تذكرة. فإن كان بدلاً فيكونُ بدلَ اشتمالٍ على مذهبِ مَنْ يرى أن الثاني مشتملٌ على الأولِ؛ لأنَّ التنزيلَ مشتملٌ على التذكرة وغيرِها. وأمَّا قولُه: "لأنَّ معنى ما أنزلناه إلاَّ تذكرة: أَنْزَلْناه تذكرةً" فليس كذلك لأنَّ معنى الحصرِ يَفوت في قولِه أنزلناه تذكرةً. وأمَّا نصبُه على المدحِ فبعيدٌ. وأمَّا نصبُه بـ"يَخْشى" ففي غاية البُعْدِ لأنَّ "يخشى" رأسُ آيةٍ وفاصلٌ، فلا يناسبُ أن يكونَ "تنزيلاً" منصوباً بـ"يَخْشى"، وقوله فيه "وهو حسنٌ وإعرابٌ بيِّنٌ" عُجمةٌ وبُعْدٌ عن إدراك الفصاحة".
قلت: ويَكْفيه ردُّه الشيءَ الواضحَ مِنْ غير دليل، ونسبةُ هذا الرجلِ إلى عدمِ الفصاحةِ ووجودِ العُجْمة.
قوله: ﴿مِّمَّنْ خَلَق﴾ يجوز في "مِنْ" أن تتعلق بـ: تنزيلاً"، وأن تتعلقَ بمحذوفٍ على أنه صفةٌ لـ"تنزيلاً". وفي "خَلَق" التفاتٌ مِنْ تَكَلُّمٍ في قوله "أَنْزَلْنا" إلى الغَيْبة. وجوَّز الزمخشري أن يكونَ "ما أنزَلْنا" حكايةً لكلامِ جبريل وبعضِ الملائكة فلا التفاتَ على هذا.
وقوله: ﴿الْعُلَى﴾ جمع عُلْيا نحو: دنيا ودُنا. ونظيرُه في الصحيح كُبْرى وكُبَر، وفُضْلى وفُضَل.
* ﴿ الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾
قوله: ﴿الرَّحْمَانُ﴾: العامَّةُ على رفعهِ، وفيه أوجهٌ، أحدُهما: أنه بدلٌ من الضميرِ المستكنِّ في "خَلَق". ذكره ابنُ عطية. وردَّه الشيخُ بأن البدلَ يَحُلُّ مَحَلَّ المبدلِ منه، ولو حَلَّ هنا مَحَلَّه لم يَجُزْ لخلوِّ الجملةِ الموصولِ بها مِنْ رابطٍ يربطُها به. الثاني: أن يرتفعَ على خبرِ مبتدأ مضمرٍ، تقديرُه: هو الرحمن. الثالث: أن يرتفعَ على الابتداءِ مشاراً بلامِه إلى مَنْ خَلَقَ، والجملةُ بعده خبرُه.
(١٠/١٨٣)
---