وقرأ جناح بن حبيش "الرحمنِ" مجروراً. وفيه وجهان، أحدهما: أنه بدلٌ من الموصولِ. لا يقال إنه يؤدي إلى البدلِ بالمشتق وهو قليلٌ؛ لأنَّ الرحمنَ جرى مَجْرى الجوامدِ الكثرة إيلائِه العواملَ. والثاني: أن يكونَ صفةً للموصول أيضاً.
قال الشيخ: "ومذهبُ الكوفيين أنَّ الأسماءَ النواقصَ كـ"مَنْ" و"ما" لا يُوصَف منها إلاَّ "الذي" وحدَه، فعلى مذهبِهم لا يجوز أن يكونَ صفةً". قال ذلك كالرادِّ على الزمخشري.
والجملةُ مِنْ قولِه ﴿عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ خبرٌ لقولِه "الرحمنُ" على القول بأنه مبتدأٌ، أو خبرٌ مبتدأ مضمرٍ إنْ قيل: إنه مرفوعٌ على خبر مبتدأ مضمر، وكذلك في قراءةِ مَنْ جَرَّه.
وفاعلُ "استوى" ضميرٌ بعودُ على الرحمنِ، وقيل: بل فاعلُه "ما" الموصولةُ" بعده أي: استوى الذي له في السموات، قال أبو البقاء: "ويقال بعضُ الغلاةِ: "ما" فاعلُ "استوى". وهذا بعيدٌ، ثم هو غيرُ نافعٍ له في التأويل، إذ يبقى قولُه ﴿الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ﴾ كلاماً تاماً ومنه هرب". قلت: هذا يُروى عن ابنِ عباس، وأنه كان يقف على لفظ "العرش"، ثم يبتدِىءُ "استوى له ما في السموات" وهذا لا يَصِحُّ عنه.
* ﴿ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى ﴾
قوله: ﴿الثَّرَى﴾: هو الترابُ النديُّ، ولامُه ياءٌ بدليل تثنية على ثَرَيَيْن، وقولهم ثَرِيَتْ الأرَضُ تَثْرَى ثَرَىً. والثَّرى يستعمل في انقطاعِ المودة. قال جرير:
٣٢٧٢ـ فلا تَنْبُشُوا بيني وبينَكُمُ الثرى * فإنَّ الذي بيني ونبينَكُمُ مُثْرِي
والثَّراءُ بالمدِّ: كثرةُ المالِ قال:
٣٢٧٣ـ أَماوِيَّ ما يُغْني الثراءُ عن الفتى * إذا حَشَرَجَتْ يوماً وضاقَ بها الصدرُ
وما أحسنَ قولَ ابنِ دريد:
٣٢٧٤ـ يوماَ تصيرُ إلى الثَّرى * ويفوزُ غيرُك بالثَّراءِ
فجمع في هذه القصيدةِ بين الممدودِ والمقصورِ باخلاف معنىً.
(١٠/١٨٤)
---


الصفحة التالية
Icon