قوله: ﴿لِذِكْرِيا﴾: يجوزُ أَنْ يكونَ المصدرُ مضافاً لفاعلِه ِأي: لأنِّي ذكرتُها في الكتب، أو لأنِّي أذكرُك. ويجوز أن يكونَ مضافاً لمفعولِه أي: لأِنْ تذكرَني. وقيل: معناه ذِكْرُ الصلاةِ بعد نِسْيانِها كقولِه عليه السلام: "مَنْ نام عن صلاةٍ أو نَسِيها فَلْيُصَلِّها إذا ذكرها". قال الزمخشري: "وكان حقٌّ العبارة: "لذكرها". ثم قال: "ومَنْ يَتَمَحَّلْ له أن يقول: إذا ذَكَر الصلاة فقد ذكر [اللهَ]، أو على حذفِ مضاف أي: لذكر صلاتي، أو لأنَّ الذِّكْرَ والنيسانَ من الله تعالى في الحقيقة".
وقرأ أبو رجاء والسُّلمي "للذكرى" بلام التعريف وألفِ التأنيث. وبعضهم "لذكرى" منكرةً، وبعضهم "للذكر" بالتعريف والتذكير.
قوله: ﴿أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾ العامُ على ضمِّ الهمزةِ مِنْ "أُخْفيها". وفيها تأويلاتٌ، أحدُها: أن الهمزةَ في "اُخْفيها" للسَّلْبِ والإِزالةِ أي: أُزيل خفاءَها نحو: أعجمتُ الكتابَ أي: أزلْتُ عُجْمَتَه. ثم في ذلك معنيان، أحدهما: أنَّ الخفاءَ بمعنى السَّتْر، ومتى أزال سَتْرَها فقد أظهرَها. والمعنى: أنها لتحقُّق وقوعِها وقُرْبِها أكادُ أُظْهِرُها لولا ما تَقْتضيه الحكمةُ من التأخير. والثاني: أنَّ الخفاءَ هو الظهورُ كما سيأتي. والمعنى: أني لِشدَّةِ أبهامها أكاد أُخْفيها فلا أُظْهِرُها/ البتةَ، وإن كان لا بد من إظهارِها؛ ولذلك يوجدُ في بعض المصاحف كمصحف أُبّيّ: أكاد أُخْفيهامِنْ نفسي فكيف أُظْهِرُكُمْ عليها؟ وهو على عادةِ العرب في المبالغة في الإِخفاء قال:
٣٢٧٧ـ أيامَ تَصْحَبُني هندٌ وأُخْبِرُها * ما كِدْت أكتُمُه عني من الخبرِ
وكيف يُتَصَوَّرُ كِتْمانُه مِنْ نفسه؟
والتأويلُ الثاني: أنَّ "كاد" زائدةٌ. قاله ابنُ جُبَيْر. وأنشدَ غيرُه شاهداً عليه قولَ زيدِ الخيل:
٣٢٧٨ـ سريعٌ إلى الهَيْجاء شاكٍ سلاحُه * فما إنْ يكادُ قِرْنُه يتنفَّسُ
وقال آخر:
(١٠/١٨٩)
---


الصفحة التالية
Icon