وقال الزمخشري:/ "والقراءةُ بالرفع إخبارٌ بأنه تعالى يُقِرُّ في الأرحامِ ما يشاءُ أَنْ يُقِرَّه". ثم قال: "والقراءةُ بالنصب تعليلٌ، معطوفٌ على تعليلٍ. معناه: خلقناكم مُدَرَّجين، هذا التدريجُ لغرضين، أحدهما: أن نبيِّنَ قدرتنا. والثاني: أَنْ نُقِرَّ في الأرحام مَنْ نُقِرُّ، ثم يُوْلَدوا ويَنْشَؤوا ويَبْلُغوا حَدَّ التكليفِ فأُكَلِّفَهم. ويَعْضُد هذه القراءةَ قولُه ﴿ثُمَّ لِتَبْلُغُوااْ أَشُدَّكُمْ﴾.
قلت: تسميةُ مثلِ هذه الأفعالِ المسندة إلى الله تعالى غَرَضاً لا يجوز.
وقرأ ابن وثاب "نِشاء" بكسر النون، وهو كسرُ حرفِ المضارعة، وقد تقدَّم ذلك في أولِ هذه الموضوعِ.
قوله: ﴿طِفْلاً﴾ حالٌ مِنْ مفعول "نُخْرِجكم"، وإنما وُحِّد لأنَّه في الأصل مصدرٌ كالرِّضا والعَدْل، فيَلْزَمُ الإِفرادُ والتذكيرُ، قاله المبرد: إمَّا لأنه مرادٌ به الجنسُ، وإمَّا لأن المعنى: يُخْرِجُ كلَّ واحدٍ منكم نحو: القوم يُشْبعهم رغيفٌ أي: كلُّ واحدٍ منهم. وقد يطابِقُ به ما يُراد به، فيقال: طفلان وأطفال. وفي الحديث: "سئل عن أطفال المشركين" والطِّفْلُ يُطْلَقُ على الولدِ مِنْ حين الانفصالِ إلى البلوغ. وأمَّا الطَفْل بالفتح فهو الناعم، والمرأة طَفْلة قال:
٣٣٧١ـ ولقد لَهَوْتُ بِطَفْلةٍ مَيَّالَةٍ * بَلْهاءَ تُطْلِعُني على أَسْرارِها
أمَّا الطَّفَل بفتح الطاءِ والفاءِ فوقتُ ما بعد العصر، مِنْ قولِهم: طَفَلَت الشمسُ إذا مالَتْ للغُروب. وأطفلتِ المرأةُ أي: صارت ذاتَ طِفْلٍ.
وقرأت فِرْقَةٌ "يَتَوَفَّى" بفتح الياء. وفيه تخريجان، أحدهما: أنَّ الفاعلَ ضميرُ الباري تعالى أي: يَتَوَفَّاهُ اللهُ تعالى، كذا قدَّره الزمخشري. والثاني: أن الفاعلَ ضميرُ "مَنْ" أي: يَتَوَفَّى أجلَه. وهذا القراءةُ كالتي في البقرة ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ﴾ أي: مدتهم.
(١٠/٣٥٦)
---


الصفحة التالية
Icon