قوله: ﴿ذالِكَ﴾: فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أنَّه مبتدأ، والخبرُ الجارُّ بعدَه. والمُشارُ إليه ما تقدَّم مِنْ خَلْقِ بني آدمَ وتطويرهم. والتقدير: ذلك الذي ذكَرْنا من خلقِ بني آدم وتطويرهم حاصلٌ بأنَّ اللهَ هو الحق وأنه، إلى آخره. والثاني: أنَّ "ذلك" خبرُ مبتدأ مضمرٍ أي: الأمرُ ذلك. الثالث: أنَّ "ذلك" منصوبٌ بفعلٍ مقدرٍ أي: فَعَلْنا ذلك بسببِ أنَّ الله هو الحق. فالباء على الأولِ مرفوعةُ المحلِّ، وعلى الثاني والثالث منصوبَتُه.
* ﴿ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ ﴾
قوله: ﴿وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ﴾: فيه وجهان، أحدُهما: أنَّه عطفٌ على المجرورِ بالباء أي: ذلك بأنَّ الساعةَ. والثاني: أنه لَيٍ معطوفاً عليه ولا داخلاً في حَيِّزِ السببية. وإنما هو خبرٌ. والمبتدأ محذوفٌ لفَهْمِ المعنى، والتقدير: والأمرُ أنَّ الساعةَ. و"لا ريبَ فيها" يُحتمل أَنْ تكونَ هذه الجملةُ خبراً ثانياً وأن تكونَ حالاً.
* ﴿ ومِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ ﴾
قوله: ﴿ومِنَ النَّاسِ﴾: جعل ابنُ عطية هذه الواوَ للحال فقال: "وكأنه يقولُ: هذه الأمثالُ في غاية الوضوحِ، ومن الناس مع ذلك مَنْ يجادِلُ، فكأن الواوَ واوُ الحال، و الآية المتقدمةُ الواوُ فيها واوُ عطف". قال الشيخ: "ولا يُتَخَيَّلُ أنَّ الواوَ في ﴿ومِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ﴾ واوُ حال، وعلى تقديرِ الجملة التي قَدَّرها قبله لو كان مُصَرَّحاً بها فلا تتقدر بـ"إذ"، فلا تكونُ للحالِ وإنما هي للعطف". قلت: ومَنْعُه مِنْ تقديرها بـ"إذ" فيه نظرٌ، إذ لو قُدِّر لم يلزَمْ/ منه محذورٌ.
قوله: ﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ يجوز أن يتعلَق بـ"يُجادِلُ"، وأَنْ يتعلَّق بمحذوفٍ على أنَّه حالٌ مِنْ فالع "يجادل" أي: يجادِلُ ملتبساً بغير عِلْمٍ أي: جاهلاً.
(١٠/٣٥٨)
---


الصفحة التالية
Icon