* ﴿ ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾
قوله: ﴿ثَانِيَ عِطْفِهِ﴾: حالٌ مِنْ فاعلِ "يُجادل" أي: معترضاً. وهي إضافةٌ لفيظةٌ نحو ﴿مُّمْطِرُنَا﴾. العامَّةُ على كسرِ العين وهو الجانُب، كَنَى به عن التكبُّر. والحسن بفتح العين، وهو مصدرٌ بمعنى التعطُّف، وصفة بالقسوةِ.
قوله: ﴿لِيُضِلَّ﴾ متعلقٌ : إمَّا بـ"يُجادِلُ"، وإمَّا بـ"ثانيَ عِطْفِهِ". وقرأ العامَّة بضم الياء مِنْ "يُضِلُّ" والمفعولُ محذوفٌ أي: ليُضِلَّ غيرَه. وقرأ مجاهد وأبو عمروٍ في روايةٍ فتحها أي: ليَضِلَّ هو في نفسه.
قوله: ﴿لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ﴾ هذه الملةُ يجوز أن تكونَ حالاً مقارِنَةً أي: مُسْتحقاً ذلك، وأن تكونَ حالاً مقدرةً، وأن تكونَ مستأنفةً. وقرأ زيد بن علي "وأُذِيْقُه" بهمزة المتكلم. "وعذابَ الحريق" يجوز أَنْ يكون من باب إضافة الموصوف لصفتِه، إذ الأصلُ: العذاب الحريق أي: المُحْرِق كالسَّميع بمعنى المُسْمِع.
* ﴿ ذالِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلعَبِيدِ ﴾
قوله: ﴿ذالِكَ بِمَا قَدَّمَتْ﴾: كقوله: ﴿ذالِكَ بِأَنَّ اللَّهَ﴾. وكذا قولُه:﴿وَأَنَّ اللَّهَ﴾ يجوز عطفُه على السبب. ويجوز أن يكونَ التقديرُ: والأمرُ أنَّ الله، فيكون منطقعاً عما قبله.
وقوله: ﴿بِظَلاَّمٍ﴾ مثالُ مبالغةٍ. وأنت إذا قلت: "ليس زيدٌ بظلاَّمٍ" لا يلزمُ منه نفيُ أصلِ الظلمِ؛ فإنَّ نَفْيَ الأخصِّ لا يَسْتلزم نَفْيَ الأعمَّ. والجواب: أن المبالغةَ إنما جِيْءَ بها لتكثيرِ مَحَالِّها فإن العبيدَ جمعٌ. وأحسنُ منه أنَّ فعَّالاً هنا للنسَبِ أي: [ليس] بذي ظلم لا للمبالغة.
(١٠/٣٥٩)
---