وقرأ طلحةُ "اكْتُتِبَها" مبنياً للمعفولِ. قال الزمخشري: "والمعنى اكتتبها له كاتِبٌ لأنه كان أمِّيَّاً لا يكتُب بيدِه، ثم حُذِفَتِ اللامُ فأَفْضَى الفعلُ إلى الضمير فصار: اكتتبها إياه كاتبٌ. كقولِه: ﴿وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ﴾ ثم بُني الفعلُ للضمير الذي هو "إياه" فانقلب مرفوعاً مستتراً بعد أن كان منصوباً بارزاً، وبقي ضمير الأساطير على حالِه فصارَ "اكْتُتِبَها" كما ترى".
قال الشيخ: "ولا يَصِحُّ ذلك على مذهبِ جمهورِ البصريين؛ لأنَّ "اكتتبها له كاتب" وَصَل الفعلُ فيه لمفعولين أحدُهما مُسَرَّح، وهو ضميرُ الأساطير، والآخرُ مقيدٌ، وهو ضميرُه عليه السلام، ثم اتُّسِع في الفعلِ فحُذِفَ حرفُ الجر، فصار: اكتتبها إياه كاتبٌ. فإذا بُني هذا للمفعولِ: إنما ينوبُ عن الفاعلِ المفعولُ المُسَرَّحُ لفظاً وتقديراً لا المسرَّحُ لفظاً، المقيَّدُ تقديراً. فعلى هذا يكون التركيب اكْتُتِبَه لا اكتتباها، وعلى هذا الذي قُلْناه جاء السماعُ. قال: الفرزدق:
٣٤٧٢ـ ومِنَّا الذي اختير الرجالَ سماحةً * وجوداً إذا هَبَّ الرياحُ الزَّعازعُ
ولو جاء على ما قَرَّره الزمخشريُّ لجاء التركيُ: "ومنا الذي اختيره الرجالُ" لأنَّ "أخْتير" تَعدَّى إلى الرجال بإسقاطِ حرفِ الجرِّ؛ إذ تقديرُه: اختير من الرِّجال". قلت: وهو اعتراضٌ حَسَنٌ بالنسبة إلى مذهبِ الجمهورِ، ولكن الزمخشريَّ قد لا يلْتزمه، ويوافق الأخفشَ والكوفيين، وإذا كان الأخفشُ وهم، يتركون المَسرَّحَ لفظاً وتقديراً، ويُقيمون المجرورَ بالحرفِ مع وجودِه فهذا أَوْلَى وأَحْرى.
(١١/١٤٦)
---