والظاهر أنَّ الجملةَ مِنْ قوله: ﴿اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى﴾ مِنْ تَتِمَّةِ قولِ الكفارِ. وعن الحسن أنَّها من كلامِ الباري تعالى، وكان حَقُّ الكلام على هذا أَنْ يَقْرَأَ "اَكْتَتَبها" بهمزةٍ مقطوعةٍ مفتوحةٍ للاستفهام كقولِه: ﴿أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَم بِهِ جِنَّةٌ﴾. ويمكنُ أن يُعْتَذَرَ عنه: أنه حَذَفَ الهمزةَ للعلمِ بها كقولِه تعالى: ﴿وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ﴾. وقول الآخر:
٣٤٧٣ـ أَفْرَحُ أَنْ أُرْزَأَ الكرامَ وأَنْ * أُوْرَثَ ذَوْداً شَصائِصا نَبْلا
يريدُ: أو تلك، وأَأَفْرَحُ، فُحُذِفَ لدلالةِ الحالِ، وحَقُّه أَنْ يقفَ على "الأوَّلين". قال الزمخشري: "كيف قيل: اكْتَتَبها فهي تُمْلَى عليه، وإنما يُقال: أَمْلَيْتُ عليه فهو يكتتبها؟ قلت: فيه وجهان، أحدُهما: أراد اكتتابَها وطَلَبه فيه تُمْلَى عليه أو كُتِبَتْ له وهو أُمِّيٌّ فهي تُمْلَى عليه أي: تُلْقَى عليه مِنْ كتابٍ يَتَحفَّظُها؛ لأنَّ صورةَ الإِلقاءِ على الحافظِ كصورة الإِلقاءِ على الكاتبِ".
وقرأ عيسى وطلحة "تُتْلَى" بتاءَيْن مِنْ فوقُ، من التلاوة. و﴿بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾ ظرفا زمان للإِملاء. والياءُ في "تلمَى" بدلٌ من اللامِ كقولِه: ﴿فَلْيُمْلِلْ﴾ وقد تقدَّمَ.
* ﴿ وَقَالُواْ مَالِ هَاذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلاا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً ﴾
قوله: ﴿مَالِ هَاذَا﴾: "ما" استفهاميةٌ مبتدأةٌ. والجارُّ بعدَها خبرُ. "ويَأْكل" جملةٌ حاليةٌ، وبها تَتِمُّ فائدةُ الإِخبار كقوله: ﴿فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ﴾. وقدت تقدم في النساء أنَّ الجرِّ كُتِبَتْ مفصولةً من مجرورِها وهو خارجٌ عن قياسِ الخطِّ.
والعاملُ في الحالِ الاستقرارُ العاملُ في الجارِّ، أو نفسُ الجارِّ، ذكرَه أبو البقاء.
(١١/١٤٧)
---