قلت: وهؤلاء كلُّهم كأنَّهم زعموا أن هؤلاء الأئمةَ الأثباتَ إما أَخَذوا هذه القراءةَ مِنْ خَط المصاحفِ دونَ أفواهِ الرجالِ، وكيف يُظَّنُّ بمثلِ أَسَنِّ القراءِ وأعلاهُمْ إسناداً، الآخذِ للقرآن عن جملةٍ من جُلَّة الصحابةِ أبي الدرداء وعثمان بن عفان وغيرهما، وبمثل إمامِ مكةَ شَرَّفها الله تعالى وبمثل إمامِ المدينةِ؟ وكيف يُنْكَرُ على أبي عبيدٍ قولُه، أو يُتَّهَمُ في نَقْلِه؟ ومَنْ حَفِظَ حجةٌ على مَنْ لم يَحْفَظْ، والتواتُرُ قَطْعِيٌّ فلا يُعارَضُ بالظنِّي.
وأمَّا اختلافُ القراءةِ مع اتحادِ القصةِ فلا يَضُرُّ ذلك، عَبَّر عنها تارةً بالقريةِ خاصةً، وتارةً بالمصرِ الجامعِ للقرىء كلِّها، الشاملِ هو لها. وأمَّا تفسيرُ ابنِ عباس فلا ينافي ذلك، لأنَّه عَبَّر عنها كَثُر فيها. ومَنْ رأى ما ذكرْتُه من مناقبِ هؤلاء الأئمةِ في شَرْحِ "حرز الأماني" أطَّرَحَ ما طُعِنَ به عليهم، وعَرَفَ قَدْرهم ومكانتَهم. وقال أبو البقاء في هذه القراءةِ: "وهذا لا يَسْتقيمُ؛ إذ ليس في الكلامِ "لَيْكة" حتى يُجْعَلَ عَلَماً. فإن ادُّعِي قَلْبُ الهمزة لاماً فهو في غايةِ البُعْدِ". قلت:
٣٥٣١ـ وابنُ اللَّبونِ إذا ما لُزَّ في قَرَنٍ * لم يَسْتَطِعْ صَوْلَةَ البُزْلِ القَناعيسِ
"أطرقْ كرا إنَّ النِّعامِ بالقُرى" "مَنْ أنت وزيداً".
* ﴿ وَاتَّقُواْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الأَوَّلِينَ ﴾
قوله: ﴿الْجِبِلَّةَ﴾ العامَّةُ على كسرِ الجيمِ والباءِ وشَدِّ اللامِ. وأبو حُصَيْن والأعمشُ والحسن بضمِّهما وشدِّ اللام. والسُّلمي بفتحِ الجيمِ أو كسرها مع سكون الباء. وهذه لغاتٌ في هذا الحرفِ ومعناه: الخَلْقُ المتَّحِدُ الغليظُ مأخوذٌ من الجَبَل. قال الشاعر:
٣٥٣٢ـ والمَوْتُ أعظمُ حادِثٍ * فيما يَمُرُّ على الجِبِلَّهْ
(١١/٢٢١)
---


الصفحة التالية
Icon