قال الزمخشري: "فإن قلتَ: هل يجوزُ أن تكونَ المخففةَ من الثقيلةِ، والتقدير: بأنَّه بُورك. والضميرُ ضميرُ الشأنِ والقصةِ؟ قلت: لا لأنه لا بُدَّ مِنْ "قد". فإنْ قلتَ: فعلى إضمارِها؟ قلت: لا يَصِحُّ لأنها علامةٌ ولا تُحْذَفُ". انتهى. فمنع أَنْ تكونَ مخففةً لِما ذًُكِر، وهذا بناءً منه على أَنَّ "بُوْرِكَ" خبرٌ لا دعاءٌ. أمَّا إذا قُلْنا: إنه دعاءٌ كما تقدَّم في النورِ فلا حاجةَ إلى الفاصلِ كما تقدَّم. وقد تقدَّم فيه استشكالٌ: وهو أنَّ الطلبَ لا يَقَعُ خبراً في هذا البابِ فكيف وَقَعَ هذا خبراً لـ"أَنْ" المخففةِ وهو دُعاءٌ؟
الثاني: من الأوجهِ الأَوَلِ: أنَّ القائمَ مَقامَ الفاعلِ نفسُ "أَنْ بُوْرِكَ" على حَذْفِ حرفِ الجرِّ أي: بأَنْ بُوْرِكَ. و"أَنْ" حينئذٍ: إمَّا ناصبةٌ في الأصلِ، وإمَّا مخففةٌ.
الثالث: أنه ضميرُ المصدرِ المفهومِ من الفعلِ أي: نُودي النداءُ، ثم فُسِّر بما بعدَه. ومثلُه ﴿ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ
. قوله: ﴿مَن فِي النَّارِ﴾ "مَنْ" قائمٌ مقامَ الفاعلِ لـ"بُوْرك". وبارَكَ يتعدَّى بنفسِه، ولذلك بُني للمفعولِ. يقال: بارَكَكَ اللهُ، وبارَكَ عليكَ، وبارَكَ فيك، وبارك لكَ، وقال الشاعر:
٣٥٣٩ـ فَبُوْرِكْتَ مَوْلُوداً وبُوْرِكْتَ ناشِئاً * وبُوْرِكْتَ عند الشِّيْب إذ أَنْتَ أَشْيَبُ
وقال عبدُ الله بن الزبير:
٣٥٤٠ـ فبُوْرِكَ في بَنِيْكَ وفي بَنيهمْ * إذا ذُكِروا ونحن لك الفِداءُ
وقال آخر:
٣٥٤١ـ بُوْرِك الميِّتُ الغرِيبُ كما بُوْرِكَ * نَضْحُ الرُّمانِّ والزيتونِ
والمرادُ بـ"مَنْ": إمَّا الباري تعالى، وهو على حَذْفٍ مضافٍ أي: مَنْ قُدْرَتُه وسُلْطانه في النار. وقيل: المرادُ به موسى والملائكةُ، وكذلك بمَنْ حولَها. وقيل: المرادُ بـ"مَنْ" غيرُ العقلاءِ وهو النورُ والأمكنةُ التي حولَها.
(١١/٢٤١)
---


الصفحة التالية
Icon