قوله: ﴿وَسُبْحَانَ اللَّهِ﴾ فيه أوجهٌ، أحدها: أنَّه من تتمَّةِ النداءِ أي: نُوْدِي بالبركةِ وتَنْزِيْهِ ربِّ العزَّةِ. أي: نُودي بمجموعِ الأمرَيْنِ. الثاني: أنه من كلامِ اللهِ تعالى مخاطِباً لنبيِّنا محمدٍ عليه الصلاةُ والسلامُ، وهو على هذا اعتراضُ بين أثناءِ القصةِ. الثالث: أنَّ معناه: وبُوْرِك مَنْ سَبَّح اللهَ. يعني أنه حَذَفَ "مَنْ" وصلَتها وأَبْقَى معمولَ الصلةِ إذ التقدير: بُوْرِكَ مَنْ في النار ومَنْ حَوْلَها، ومَنْ قال: سبحان الله و"سُبْحانَ" في الحقيقةِ ليس معمولاً لـ"قال" بل لفعلٍ مِنْ لفظِه، وذلك الفعلُ هو المنصوبُ بالقول.
* ﴿ يامُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾
قوله: ﴿إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ﴾: في اسمِ "إنَّ" وجهان، أظهرهما: أنه ضميرُ الشأن. و﴿أَنَا اللَّهُ﴾ مبتدأ وخبرُه، و﴿الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ صفتان لله. والثاني: أنه ضميرٌ راجعٌ إلى ما دلَّ ما قبله، يعني: أنَّ مُكَلِّمَكَ أنا، و"الله" بيانٌ لـ"أنا". واللهُ العزيزُ الحكيمُ صفتان للبيانِ. قاله الزمخشري. قال الشيخ: "وإذا حُذِفَ الفاعلُ وبُنِيَ الفعلُ للمفعولِ فلا يجوزُ أَنْ يعودَ الضميرُ على ذلك/ المحذوفِ، إذ قد غُيِّرَ الفعلُ عن بنائِه له. وعُزِمَ على أَنْ لا يكونَ مُحَدَّثاً عنه، فَعَوْدُ الضميرِ إليه مِمَّا يُنافي ذلك؛ إذ يصيرُ مُعْتَنَىً به".
قلت: وفيه نظرٌ؛ لأنَّه قد يُلْتَفَتُ إليه. وقد تقدَّم ذلك في قوله في البقرة ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ﴾ ثم قال: "وأداءٌ إليه" قيل: أي: الذي عفا، وهو وليٌّ الدمِ، على ما تقدَّم تحريره. ولَئِنْ سُلِّم ذلك فالزمخشريُّ لم يَقُلْ: إنه عائدٌ على ذلك الفاعلِ، إنما قال: راجعٌ إلى ما دَلَّ عليهِ ما قبلَه، يعني مِن السِّياقِ.
وقال أبو البقاء: "ويجوزُ أَنْ يكونَ ضميرَ "رَبّ" أي: إنَّ الرَّبَّ أنا الله، فيكون "أنا" فَصْلاً، أو توكيداً، أو خبراً إنَّ، واللهُ بدلٌ منه".