قوله: ﴿أَلاَّ يَسْجُدُواْ﴾: قرأ الكسائيُّ بتخفيف "ألا"، والباقون بتشديدها. فأمَّا قراءةُ الكسائيِّ فـ"ألا" فيها تنبيهٌ واستفتحاحٌ، و"يا" بعدها حرفُ نداءٍ أو تنبيهٍ أيضاً على ما سيأتي و"اسْجُدوا" فعلُ أمرٍ. وكان حَقٌّ الخَطَّ على هذه القراءةِ أن يكونَ "يا اسْجُدوا"، لكنَّ الصحابةَ اسقطُوا ألفَ "يا" وهمزةَ الوصلِ من "اسْجُدوا" خَطَّاً لَمَّا سَقَطا لفظاً، ووَصَلُوا الياءَ بسين "اسْجُدوا"، فصارَتْ صورتُه "يَسْجُدوا" كما ترى، فاتَّحدت القراءتان لفظاً وخَطَّاً واختلفتا تقديراً.
واختلف النحويون في "يا" هذه: هل هي حرفُ تنبيهٍ أو للنداءِ، والمنادَى محذوفٌ تقديرُه: يا هؤلاءِ اسْجُدوا؟ وقد تقدَّم ذلك عند قولِه: يا لَيْتَني" في سورة النساء. والمرجَّحُ أَنْ تكونَ للتنبيهِ؛ لئلا يُؤَدِّيَ إلى حَذْفٍ كثيرٍ مِنْ غيرِ بقاءٍ ما يَدُلُّ على المحذوفِ. ألا ترى أنَّ جملةَ النداءِ حُذِفَتْ، فلو ادَّعَيْتَ حَذْفَ المنادَى كَثُرَ الحذفُ ولم يَبْقَ معمولٌ يَدُلُّ على عامِلِهِ، بخلافِ ما أذا جَعَْلتَها للتبيهِ. ولكنْ عارَضَنَا هنا أنَّ قبلَها حرفَ تنبيهٍ آخرَ وهو "ألا". وقد اعْتُذِرَ عن ذلك: بأنه جُمِع بينهما تأكيداً. وإذا كانوا قد جَمَعُوا بين حرفين عامِلَيْنِ للتأكيدِ كقوله:
٣٥٥٩ـ فَأَصْبَحْنَ لا يَسْألْنَنِي عَنْ بما به *......................
فغيرُ العامِلَيْن أَوْلَى. وأيضاً فقد جَمَعُوا بين حَرْفَيْنِ عامِلَيْنِ مُتَّحِدَّيْ اللفظِ والمعنى، كقوله:
٣٥٦٠ـ فلا واللهِ لا يُلْفَى لِما بي * ولا لِلِما بهم أبداً دَواءُ
فهذا أَوْلَى. وقد كَثُرَ مباشرةُ "يا" لفعلِ الأمرِ وقبلَها "ألا" التي للاستفتاح كقوله:
٣٥٦١ـ ألا يا اسْلَمِي ثُمَّ اسْلمي ثُمَّتَ اسْلَمي * ثلاثَ تحيَّاتٍ وإنْ لَمْ تَكَلَّمي
وقوله:
٣٥٦٢ـ ألا يا اسْلَمِي يا دارَ مَيَّ على البِلى * ولا زالَ مُنْهَلاًّ بجَرْ عائِكِ القَطْرُ
وقوله:


الصفحة التالية
Icon