قوله: ﴿ادَّارَكَ﴾: قرأ ابنُ كثير وأبو عمرو ونافع "أَدْرَكَ" كأَكْرم. والباقون من السبعةِ "ادَّارك" بهمزةِ وَصْلٍ، وتشديدِ الدالِ المفتوحةِ، بعدها ألفٌ. والأصلُ: تَدارك وبه قرأ اُبَيٌّ، فأُريد إدغامُ التاءِ في الدالِ فأُبْدِلَتْ دالاً، وسُكِّنَتْ فتعذَّر الابتداءُ بها لسكونهِا، فاجْتُلِبَتْ همزةُ الوصلِ فصار ادَّارك كما ترى، وتحقيقُ هذه قد تقدَّم في رأسِ الحزبِ من البقرة: ﴿فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا﴾. وقراءةُ ابنِ كثير قيل: تَحْتمل أن يكونَ أَفْعَلُ فيها بمعنى تَفاعَلَ فتَتََّحِدَ القراءتان. وقيل: أَدْرَكَ بمعنى بَلَغَ وانتهى. وقرأ سليمان وعطاء ابنا يَسار "بلَ ادَّرَكَ" بفتحِ لامِ "بل" وتشديد الدالِ دونَ ألفٍ بعدَها. وتخريجُها: أنَّ الأصلَ ادَّرك على وزن افْتَعَل فأُبْدِلَتْ تاءُ الافعتالِ دالاً لوقوعِها بعد الدال. قال الشيخ: "فصار فيه قَلْبُ الثاني للأولِ كقولِهم: أثَّرَدَ، وأصلُه اثْتَرَدَ من الثَّرْدِ". انتهى. قلت: ليس هذا مما قُلِب فيه الثاني للأولِ لأجلِ الإِدغام كـ اثَّرضدَ في أثْتَرَدَ؛ لأنَّ تاءَ الافتعال تُبدَلُ دالاً بعد أحرفٍ منها الدالُ نحو: ادَّان في افْتَعَل من الدَّيْن فالإِبدالُ لإجلِ كونِ الدالِ فاءَ لا للإِدغام، فليس مثلَ اثَّرَدَ في شيءٍ فتأمَّلْه فإنه حَسَنٌ. فلمَّا أُدْغِمَت الدالُ في الدال أُدْخِلَتْ همزةُ الاستفهامِ فسقَطَتْ همزةُ الوصلِ فصار اللفظُ "أَدْرَكَ" بهمزةِ قطعٍ مفتوحةٍ، ثم نُقِلَتْ حركةُ هذه الهمزةِ إلى لامِ ِ"بل" فصار اللفظ: "بَلَ دَّرَكَ".
وقرأ أبو رجاءٍ وشيبةٌ والأعمشُ والأعرجُ وابنُ عباس، وتُرْوى عن عاصم كذلك، إلاَّ أنَّه بكسرِ لام "بل" على أصلِ التقاءِ الساكنين، فإنهم لم يَأْتوا بهمزةِ استفهامٍ.
(١١/٢٩٣)
---