وقرأ عبدالله وابن عباس والحسن وابن محيصن "أادَْكَ" بهمزةٍ ثم ألفٍ بعدَها. وأصلُها همزتان أُبْدِلَتْ ثانيتُهما ألفاً تخفيفاً. وأنكرها أبو عمروٍ. قلت: وقد تقدَّم أولَ البقرةِ أنه قُرىءُ "أَانْذَرْتَهم" بألفٍ صريحةٍ فلهذه بها أسوةٌ. وقال أبو حاتم: "لا يجوزُ الاستفهامُ بعد "بل" لأنَّ" "بل" إيجاب، والاستفهامُ في هذا الموضعِ إنكارٌ بمعنى: لم يكن، كقولِه تعالى ﴿أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ﴾ أي: لَم يَشْهدوا، فلا يَصِحُّ وقوعهما معاً للتنافي الذي بين الإِيجاب والإِنكارِ". قلت: وفي منع هذا نظرٌ؛ لأنَّ "بل" لإِضرابِ الانتقالِ، فقد أضربَ عن الكلامِ الأولِ، وأَخَذَ في استفهامِ ثانٍ. وكيف يُنْكَرُ هذا والنَّحْويون يُقَدِّرون "أم" المنقطعةَ بـ"بل" والهمزة؟ وعجِبْتُ من الشيخِ كيف قال هنا:"وقد أجاز بعضُ المتأخرين الاستفهامَ بعد "بل" وشبهه؟ يقول القائل: "أخبزاً أكلْتَ، بل أماءً شرِبْتَ" على تَرْكِ الكلامِ الأولِ والأَخْذِ في الثاني". انتهى فتخصيصُه ببعضِ المتأخرين يُؤْذِنُ أن المتقدِّمينَ وبعضَ المتأخرين يمنعونه، وليس كذلك لِما حَكَيْتُ عنهم في "أم" المنقطعةِ.
وقرأ ابنُ معسودٍ "بل أَأَدْرَكَ" بتحقيقِ الهمزتين. وقرأ ورش في رواية "بلَ ادْرَكَ" بالنقل. وقرأ ابنُ عباس أيضاَ "بلى ادْرَك" بحرف الإِيجاب أختِ نَعَم. "بَلأى اَأَدْرك" بألفٍ بين الهمزتين. زقرأ أُبَيٌّ ومجاهد "أم" بدلَ "بل" وهي مخالفةٌ للسَّواد.
(١١/٢٩٤)
---