وقوله: "هذا، وهذا" على حكايةِ الحالِ الماضيةِ فكأنهما حاضران. وقال المبردُ: "العربُ تُشير بـ هذا إلى الغائب وأنشد الجرير:
٣٥٨٨ـ هذا ابنُ عَمِّي في دمشقَ خليفةَ * لو شِئْتُ ساقَكُمُ إليَّ قَطِينا
قوله: ﴿فَاسْتَغَاثَهُ﴾ هذه قراءةُ العامَّةِ، من الغَوْثِ أي: طَلَبَ غَوْثَه ونَصْرَه. وقرأ سيبويه وابن مقسم والزعفراني بالعين المهملة، والنون، من الإِعاننة. قال ابنُ عطية: "هي تصحيفٌ". وقال ابن جبارة صاحب "الكامل": "الاختيارُ قراءةُ ابن مقسم؛ لأنَّ الإِعانة أَوْلَى في هذا البابِ". قلت: نسبةُ التصحيفِ إلى هؤلاء غيرُ محمودةٍ، كما أن تَعالِيَ الهُذَليِّ في اختيارِ الشاذِّ غيرُ محمودٍ.
قوله: ﴿فَوَكَزَهُ﴾ أي: دَفَعَه بجميع كَفَّه. والفرقُ بين الوَكْزِ واللَّكْزِ: أنَّ الأولَ بجميعِ الكفِّ، والثانيْ بأطرافِ الأصابِع وقيل: بالعكسِ. والنَّكْزُ كاللَّكْزِ. قال:
٣٥٨٩ـ يا أَيُّها الجاهِلُ ذو التَّنَزِّي * لا تُوْعِدَنِّي حَيَّةً بالنَّكْزِ
وقرأ ابنُ مسعود "فَلَكَزه" و"فَنَكَزَه" باللام والنونِ.
قوله: ﴿فَقَضَى﴾ أي: موسى، أو الله تعالى، أو ضميرُ الفعلِ ِأي: الوَكْزُ
قوله: ﴿مِنْ عَمَلِ﴾: مِنْ وَسْوَسَتِه وتَسْوِيْلِه والإِشارةُ إلى القَتْلِ الاصدرِ منه.
* ﴿ قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ ﴾
قوله: ﴿بِمَآ أَنْعَمْتَ﴾: يجوزُ في الباءِ أن تكونَ قَسَماً، والجوابُ: لأَتُوْبَنَّ مقدراً. ويُفَسِّره "فَلَنْ أكونَ"، وأَنْ تكونَ متعلقةً بمحذوفٍ، ومعناها السببيَّةُ. وأي: اعْصِمْني بسببِ ما أَنْعَمْتَ به عليَّ، ويترتَّبُ عليه قولُه: "فلن أكونَ ظَهيراً". و"ما" مصدريةٌ، أو بمعنى الذي. والعائدُ محذوفٌ. وقوله: "فلن" نفيٌ على حقيقتِه. وزعمَ بعضُهم أنه دعاءٌ، وأنَّ "لن" واقعةٌ موقعَ "لا". وأجاز قومٌ مُسْتَدِلِّينَ بهذه الآية، وبقولِ الشاعر:
(١١/٣١١)
---


الصفحة التالية
Icon