قوله: ﴿بَلْ هُوَ الْحَقُّ﴾ إضرابٌ ثانٍ. ولو قيل بأنَّه إضرابُ إبطالٍ لنفسِ "افتراه" وحدَه لكان صواباً، وعلى هذا يُقال: كلُّ ما في القرآنِ إضرابٌ فهو انتقالٌ إلاَّ هذا، فإنه يجوزُ أَنْ يكونَ إبطالاً؛ لأنه إبطالٌ لقولِهم أي: ليس هو كما قالوا مفترى بل هو الحقُّ. وفي كلامِ الزمخشريِّ ما يُرْشِدُ إلى هذا فإنه قال: "والضميرُ في "فيه" راجعٌ إلى مضمونِ الجملة. كأنه قيل: لا ريبَ في ذلك، أي: في كونِه مِنْ رب العالمين. ويَشْهَدُ لِوجاهَتِه قولُه: ﴿أَمْ يَقُولُونَ: افْتَرَاهُ﴾؛ لأنَّ قولهم "هذا مفترى" إنكارٌ لأَنْ يكونَ مِنْ ربِّ العالمين، وكذلك قوله: ﴿بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ﴾ وما فيه تقريرٌ أنه من عندِ الله. وهذا أسلوبٌ صحيحٌ مُحْكَمٌ".
قوله: "مِنْ ربِّك" حالٌ من "الحقّ" والعاملُ فيه محذوفٌ على القاعدة، وهو العاملُ في "لِتُنْذِرَ" أيضاً، ويجوزُ أَنْ يكونَ العاملُ في "لتنذر" غيرَه أي: أنزله لِتنذِرَ.
قوله: ﴿قَوْماً مَّآ أَتَاهُم﴾ الظاهرُ أنَّ المفعولَ الثاني للإِنذار محذوفٌ. و"قوماً" هو الأولُ؛ إذ التقديرُ: لتنذِرَ قوماً العقابَ، و"ما أتاهم" جملةٌ منفيَّةٌ في محلِّ نصبٍ صفةً لـ "قوماً" يريد: الذين في الفترةِ بين عيسى ومحمدٍ عليهما السلام. وجعله الزمخشري كقوله: ﴿لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ﴾ فعلى هذا يكونُ "مِنْ نذير" هو فاعلَ "أتاهم" و"مِنْ" مزيدةٌ فيه. و"مِنْ قبلِك" صفةٌ لنذير. ويجوزُ أَنْ تتعلَّقَ "مِنْ قبلك" بـ "أَتاهم".
(١٢/٤)
---


الصفحة التالية
Icon